أنت هنا

قراءة كتاب موسوعة الفرق والجماعات والمذاهب والأحزاب والحركات الإسلامية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
موسوعة الفرق والجماعات والمذاهب والأحزاب والحركات الإسلامية

موسوعة الفرق والجماعات والمذاهب والأحزاب والحركات الإسلامية

كتاب " موسوعة الفرق والجماعات والمذاهب والأحزاب والحركات الإسلامية " ، تأليف د. عبد المنعم الحنفي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2005 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 5

ولا ينبغى أن تروّعنا ظاهرة الفِرَق فى الماضى ، ولا يخيفنا تباين المذاهب ، وتعدُّد الحركات ، وتنوُّع الأحزاب فى الحاضر ، فالإسلام كظاهرة، شأنه فى ذلك شأن الظواهر التى لها رصيد ضخم من التاريخ ، وزخم حركى هائل داخل المجتمعات ، وكلما انتشر الإسلام ، وثبتت أقدامه عبر السنين ، ودخلته أقوام وأجناس وشعوب ، كلما استطال بنيانه العقائدى .

وكان ظهور الفِرّق فى الماضى نتيجة قانون الجمع والتوفيق ، وبه يكون دخول الإسلام إلى بلد معناه اجتماعه بما كان فيها من اعتقادات ، وأنه سيصل معها إلى صِيّغ توفيقية تتباين بحسب تباين البيئات ، كما أخبرنا الرسول : « لتتّبعن سُنن مَن كانوا قَبلكم شبرًا بشبر ، وذراعًا بذراع ، حتى لو دخلوا جُحر ضَبِّ لتبعتموهم» رواه البخارى . وقانون الوجود فيه الاجتماع والانفراق ، وفى القرآن :  وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ، إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ  (هود: 118، 119 )، وفيه:  وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ  (المائدة: 48).

وإذن فمنطـق الأمور: أن تكثر الجماعات والحـركات والنُّظُم والمذاهب والفـِرَق والأحزاب. وفى أزهى عصور الدول الإسلامية تبين هذه الظاهرة ، وفى أزمان الركود ينمحى التمايز ، ويضيع الرأى الآخر .

وأمة الإسلام أكثر الأمم فرقًا وأحزابًا ونظمًا وجماعات ومذاهب وحركات : لأن الدين الإسلامى جاء لكل الأجناس، الأحمر والأبيض والأسود والأصفر ، ولكافة الشعوب- الشمالية، والجنوبية، والشرقية، والغربية ، وتناول فى مبناه كل ما سبقه من ديانات، فأفصح عن عيوبها ، وأبان نواقصها ، فتعرّض للهجوم المضاد من أصحاب الديانات ، وكلما دخلته أمة صاغته ليتلاءم مع تاريخها وأحوالها ، فعمّ الإسلام الأرض كلها، وكثرت بين جماعاته التباينات، ولا تثريب فى ذلك ، وإنما هو منطق الأمور .

ثم إنه من الملاحظ أن لكل ديانة ، ومذهب ، وجماعة ، زمنًا وعصرًا يروج فيه المذهب، وتعلو الديانة ، ثم ينتهى الأمر إلى اضمحلال ، إلا الإسلام فهو لكل الأزمان، ولكل العصور والمجتمعات ، ومَن يحيا أكثر يتعرّض أكثر للتيارات والأنواء ، والمجادلات والمحاورات ، والمناوشات والمنازعات ، وينعكس ذلك على الخريطة السياسية والفكرية ، بقيام مذاهب ونُظم جديدة ، وإحياء مذاهب ونُظم قديمة ، وإعلان أحزاب ببرامج عصرية ، وبداية حركات لها مواصفات ، وتكتّل جماعات لها نشاطات .

وكانت فِرَق الشيعة وجماعاتهم هى أكبر الفرق والجماعات فى التاريخ الإسلامى. وفرق الشيعة هى أولى الفرق الإسلامية ظهورًا، واتُّهمت غالبيتها بالغلو . وما تزال فرق الشيعة حتى اليوم تمثّل أهم الروافد الفكرية فى الإيديولوجية الدينية ، وفى الإسلام السياسى بعمومه . وإنى لأعجب لعدم إدراك كُتّاب الفِرق المُحدَثين، أن مصطلح الفِرق لا يصلح لجماعات اليوم، وأنه قاصر على فِرق الماضى دون جماعات وأحزاب الحاضر ؟! وأكثر الفرق كانت عند الشيعة فى بداياتهم ، ولم يعد لديهم الآن سوى فرقتين كبيرتين ما زالتا تعملان من الماضى البعيد . وإنه لأمرٌ يدعو إلى الدهشة، أن يسـتكين شيعة العراق للاستعمار والاحتـلال الأنجلو أمريكى، فلا نسمع أنهم ثاروا ورفضوا ، بل ونرى مجلس الحكم العميل مكونًا منهم غالبًا؟!!

وأمّا السُنّة فكان منهم الإصلاحيون ، وهؤلاء انتشروا فى العالم الإسلامى ، وحيثما ارتفع صوت المؤذّن بلا إله إلا الله ؛ وصاحَبَ العنفُ حركاتهم أحيانًا ، وابتغت جماعاتهم قلب نظام الحكم بالثورة أحيانًا ، إلا أنهم فى غالب الأحوال كانوا تعليمية ، ينشدون التغيير من خلال إعادة التعليم وبثّ الوعى بمعانى الإسلام ، ومؤلفاتهم لذلك تكثر فى التفسير للقرآن ، والشرح لمضمون السنة ، ومعنى الدولة ، وواجبات الحاكم والمحكوم . والتزموا الدين وإن فهموه سياسيًا : بأنه توجيه المسلمين نحو الأفضل ، سواء فى شئون الحكم أو مقاصد الاجتماع ، أو أهداف التعليم والتربية ، أو ابتعاث النهضة العلمية .

وفى الوقت الذى رأينا فيه حركات التمرّد والاضطراب السياسى ينهض بها الشيعة، فإن حركات الإصلاح كانت مدار نشاط أهل السُنّة وفِرَقهم وأحزابهم .

ولسوف نلاحظ فى هذا الكتاب أن غالبية أصحاب الفِرَق كانوا طُلاّب حكم ، وما كان الغلو الذى قال به البعض واعتنقوه ، إلا بسبب الأمّية التى يعيش فيها المسلمون فى مختلف البلدان فى زمنهم ، فلقد سهّلت هذه الأمية الثقافية والدينية والأبجدية، أن يروج الفكر الدينى المنحرف ، وأن تدعو الكثير من الفرق والجماعات والنُّظم لأصحابها ، حتى ادّعى بعضهم لنفسه العصمة ! وبعضهم انتحل الألوهية! أو النبوة! وتسلّطوا على أتباعهم بالدين ، حتى كانوا يطلبون من الواحد منهم أن يلقى بنفسه من شاهق، فيفعل ! وفى عهد نظام المُلك مثلاً ، كان حسن الصباح (445هـ - 518هـ) رئيس الإسماعيلية النـزارية، يأمر أتباعه بالقيام بعمليات التصفية الجسدية، واغتيال رموز المجتمع الحاكم، فكان الفداوية أو الفدائية ، من الأولاد دون العشرين، يغتالون خصومهم ، ويُعملون القتل فى الحكّام ورجالات الفكر - كما فى مصر والجزائر الآن؛ وكان الحنابلة فى بغداد، وغيرها من المدن ، يهاجمون المحلات العامة والنساء والرجال فى الطرقات ، ويستخدمون الجنازير والمطاوى . وكانوا يحرقون الخمّارات، ويُغلقون المطاعم فى رمضان ، وإذا عثروا على رجل يسير مع طفل أو امرأة استوقفوهما للسؤال : من يكون الطفل للرجل ؟ ومن تكون المرأة لـه ؟ وكانوا يفعلون ذلك بدافع محاربة اللواط ، ومنع الاختلاط ، ومعاقبة الزناة . والواقع أن التشويه والتحريف الذى أصاب الإسلام من بعض الفرق ، كان من الممكن تداركه وقتها ، وتسببت هذه الفرق فى قيام الفتن ، ونشر الاضطرابات . وتأوّلت بعض الجماعات آيات القرآن والأحاديث ، وبعضهم وضع الأحاديث، وفشا الوضع حتى أصبح ظاهرة. وأُخرجت الآيات عن مدلولاتها ، والبعض خشى التأويل فالتزموا النصوص دون اجتهاد ، حتى غلب الاهتمام بمبناها دون معناها ، فصارت النصوص تقصر عن متطلبات العصر والمصر ، وكأن الإسلام قد ألغى نفسه ، وكأن المسلمين قد صارت بهم حاجة إلى دين جديد ، أو أنبياء جدد ، أو مصلحين بالأحرى يجدّدون لهم الدين .

الصفحات