أنت هنا

قراءة كتاب الوظيفة الإقليمية لتركيا في الشرق الأوسط

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الوظيفة الإقليمية لتركيا في الشرق الأوسط

الوظيفة الإقليمية لتركيا في الشرق الأوسط

كتاب " الوظيفة الإقليمية لتركيا في الشرق الأوسط " ، تأليف د. أحمد نوري النعيمي ، والذي صدر عن دار زهران عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 3

2. العرب والدولة العثمانية

إن أهم حادث في تاريخ العلاقة بين العرب والأتراك، يعود أساساً إلى استيلاء الدولة العثمانية على الوطن العربي خلال القرن السادس في مدة لا تتجاوز الأربعين عاماً.(11)

والحق أن السيطرة العثمانية على الأقطار العربية بدأت في عام 1516 وذلك عند انتصار جيوش السلطان سليم، على جيوش المماليك في "مرج دابق"، بالقرب من مدينة حلب (شمال حلب)(12).

وقد أدى هذا الانتصار إلى فتح أبواب سوريا والحجاز أمام الجيش العثماني إذ أخذ يتغلغل الأخير غرباً وشرقاً وجنوباً بغية السيطرة على الأقطار العربية الواحدة بعد الأخرى(13).

وبعد انقضاء أربعين عاماً "على معركة مرج دابق، كان حكم العثمانيين قد شمل من ناحية الشرق كلاً من العراق 1534 والحسا عام 1555، وامتد من الجنوب حتى عدن 1547 ووصل غرباً حتى وهران وتلمسان 1556، فلم يبق من الأقطار العربية خارج الدولة العثمانية إلا المغربالأقصى من ناحية وقلب الجزيرة الغربية من ناحية أخرى(14).

وخلال مدة الحكم العثماني للوطن العربي، كان العرب من بين العديد من القوميات التي ضمتها الدولة العثمانية أقرب تلك القوميات إلى الأقلية التركية الحاكمة،(15) وذلك بالنظر إلى ما بينهما من وحدة الدين والتقارب في اللغة والعادات والتقاليد الاجتماعية ومن ثم فقد وقع قدر من الاحتكاك والتأثير المتبادل بين العرب والأتراك خلال تلك المرحلة في الكثير من النواحي الاجتماعية والتجارية والسياسية والإدارية التي ما زالت مظاهرها ملموسة في حياة كل من الشعبين حتى اليوم.(16)

ورغم وضع الأتراك بالنسبة للعرب بوصفهم يمثلون الأقلية الحاكمة في الدولة العثمانية(17) إلا أنهم تأثروا بالعرب أكثر مما أثروا فيهم، ويرجع ذلك إلى الانتماء الديني إذ كان لهذا الانتماء الغلبة على روح القومية لدى الأتراك ولا سيما في بداية عهد الدولة العثمانية وكان الأتراك ينظرون إلى أنفسهم مسلمين قبل أن يكونوا أتراكاً.

وقد استمر هذا التيار حتى نهاية حكم عبد الحميد الثاني وتولي الاتحاد والترقي الحكم في 27 / نيسان / 1909(18).

وقد كان من نتيجة سيطرة الاتجاه الإسلامي حتى عام 1909 أن قبل الأتراك التزاوج من العرب وتعلم اللغة العربية(19).. بل إن اللغة التركية نفسها كانت حتى قيام حركة مصطفى كمال تكتب بالحروف العربية وكانت خليطاً من العربية والفارسية.. ورغم ما قام به مصطفى كمال من تحويل الحروف العربية في اللغة التركية إلى حروف لاتينية واستبدال العديد من المصطلحات العربية بمصطلحات أخرى إنكليزية وفرنسية وذلك في إطار اتجاهه نحو الأخذ بأساليب الحضارة الغربية.. إلا أن اللغة التركية احتفظت ببعض الكلمات العربية المكتوبة بحروف لاتينية(20).

ومن ناحية أخرى فقد استعان الأتراك بخبرة العرب في العلوم نظراً لتفوقهم عليهم في هذا المجال وفي ذلك يقول أحد المستشرقين "إن حياة العثمانيين كانت خالية من الأصالة والإبداع العلمي ولذا تتلمذوا على العرب في العلوم الدقيقة.(21)

أما الحوادث التي أعقبت 27 نيسان عام 1909، فإنها تعد مرحلة التحول في العلاقات العربية التركية، لأن الانقلابيين من رجال الاتحاد والترقي اتبعوا سياسات متعددة تجاه العرب أدت إلى بروز ردود فعل عند العرب وبالإمكان إيجاز هذه الاتجاهات في ثلاث نقاط:

1. قال فريق من هؤلاء باستقلال العرب في السياسة الداخلية ضمن دولة طورانية وعلى رأس هؤلاء أنور باشا وجاويد بك.

2. يؤكد الفريق الثاني سياسة تتريك العرب وعل رأس هؤلاء جمال باشا.

3. أما الفريق الأخير، فإنه يؤكد ضرورة التساهل مع العرب، ومنحهم نوعاً من اللامركزية في الحكم وعلى رأسهم طلعت بك.

هذه السياسة التي اتبعها رجال الاتحاد والترقي هي التي أدت إلى بروز الفكرة القومية عند العرب، ويعزز هذا الرأي علي أكرم بك متصرف القدس في هذه المدة إذ يقول: "يجب أن نعترف في هذا المجال بأنه لم تمنح الحرية التامة لهؤلاء العرب للتعبير عن آرائهم السياسية، وكل ذلك أدى إلى إهمال تعليم الشعب العربي في القدس والمنطقة السورية، علاوة على ذلك فإن الولاة كانوا يختارون من بين الأتراك، وليس من بين العرب، وهذه الأسباب كفيلة ببلورة الفكر القومي عندهم.(22)

ومما لاشك فيه، أن الحكم العثماني بعد عام 1909 في الوطن العربي أثار حساسيات لدى الشعب العربي ولا سيما أنها ارتبطت بعدد من المساوئ وبممارسة التفرقة بين العرب والأتراك، ومنح الأخير امتيازات على حساب أصحاب البلاد سواء في أجهزة الجيش أو الإدارة مما كان له أبعدالأثر في إثارة المشاعر القومية للعرب ضد الأتراك واشتعال الثورات الوطنية في المنطقة العربية ومساعدة العرب للحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى بهدف التخلص من الحكم العثماني.(23)

وقد قوّم الملك عبد الله في مذكراته الحكم العثماني قائلاً: "إن معركة الهاشميين لم تكن ضد الدولة العثمانية، ولكنها كانت ضد لجنة الاتحاد والترقي".(24)

إنّ من الثابت لدينا أن الجامعة الطورانية كانت الهدف الأساس لجمعية الاتحاد والترقي وبمثابة تحد شامل لمفهوم الجامعة الإسلامية والجامعة العثمانية. وبموجب الجامعة الطورانية دعا الاتحاديون إلى أن الترك أمة عريقة في التاريخ – أشد عراقة من العرب – وقد سيطر على هؤلاء الاتجاهات الغربية في الفكر القومي، ويدور مفهوم الجامعة الطورانية حول تتريك العناصر ومن بينهم العرب، ومن هنا بدأ الانفصام التاريخي بين الأتراك والعرب، وقد أدى ذلك إلى بروز التصدع والخلاف في العلاقات العربية – التركية.(25)

وكانت النتيجة تمزيق أواصر العلاقة بين العرب والأتراك في إطار الدولة العثمانية،و الحق كان للغرب دور واضح في دعم اتجاه دعاة الطورانية.(26) من هنا جاء الاعتقاد ألا حياة للعرب مع الأتراك على هذا الوضع، وأن الأمة العربية يجب أن تعمل على استقلالها.(27)

والحق، إن حركة الاتحاد والترقي قد أدت إلى التحول في العلاقات بين العرب والأتراك، وبالإمكان إيجاز ذلك في النقاط التالية:

الصفحات