أنت هنا

قراءة كتاب مستقبل المرأة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مستقبل المرأة

مستقبل المرأة

لقد سُجنت المرأة الإغريقية في الخدر، ومُنعت من المشاركة في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية للمدنية. وباستثناء بعض المحظيات ومومسات «المجتمع الراقي» وهي حالات نادرة جداً، تسود القاعدة التي عبر عنها سقراط نفسه بقوله «السياسة للرجال والمنزل للنساء».

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

ولا صعوبة في التحقق من هذا القانون التاريخي الرئيسي في كل العصور وفي كل الحضارات.
لو حصرنا بحثنا في العالم الغربي للاحظنا أن الأمر هو كذلك عبر كل الأنظمة التي سبقت، مثل تلك التي لحقت، هذه المرحلة من القرون الوسطى التي هيمن فيها اقتصاد معيشي، تحسّن فيه موقع المرأة.
أما عندما شهد اقتصاد السوق عصور ازدهاره القصوى، في العالمين الإغريقي والروماني، مع السلطات الإمبراطورية التي نجمت عنه في أثينا ثم في روما، فلم تتسم هذه المجتمعات «الازدواجية» بتوسع أعظمي للرق فحسب، بل، أيضاً بإخضاع شديد الحزم للمرأة.
لقد سُجنت المرأة الإغريقية في الخدر، ومُنعت من المشاركة في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية للمدنية. وباستثناء بعض المحظيات ومومسات «المجتمع الراقي» وهي حالات نادرة جداً، تسود القاعدة التي عبر عنها سقراط نفسه بقوله «السياسة للرجال والمنزل للنساء». إن الدور الوحيد للزوجة هو إنجاب الأطفال والاعتناء بعالم المنزل المغلق.
في روما لم يكن للمرأة موقع في القانون الروماني أفضل من العبد. ففي دراسة ذكرتها «ريجين برنود» حول «وضع المرأة في روما» يلخص لنا «روبير فليرز» هذا الوضع بقوله «في روما لم تكن المرأة مواطناً ذا حق.. فوضعها الشخصي وعلاقتها مع أهلها أو زوجها من صلاحيات «البيت» (Domus) الذي يتزعمه بشكل مطلق الأب أو الحمو أو الزوج... أما المرأة فليست إلا قطعة أثاث».
لذلك يسهل علينا، عندما انطلقت «نهضة» اقتصاد السوق بدءاً من القرن الرابع عشر، وخصوصاً في القرن السادس عشر، أن نتفهّم انتشار إطراء مزايا القانون الروماني الذي يلائم، على أتم وجه، تنظيم مجتمع تتحكم فيه الملكية الخاصة بشكل مطلق. لقد وصل هذا التطور إلى نهايته المنطقية بتولي البورجوازية السلطة. لقد استمد تشريع نابليون في بداية القرن التاسع عشر منابعه من القانون الروماني. وقد اكتشف نابليون بوضوح العلاقة بين المنظور الروماني للملكية (الحق بالاستعمال والاستهلاك المطلق Jus utendi et aboutendi والمفهوم البورجوازي للزواج والأسرة، بحيث أملى هو نفسه، على مجلس الدولة، بنود التشريع المدني، مكرّساً خضوع المرأة الكامل.
ليس أغرب من أن يستمر، حتى يومنا هذا، اعتبار التشريع الروماني في كليات الحقوق والعلوم الاقتصادية، مكوناً لعلم خاص يقوم بعقلنة وتنظيم المبادئ الأساسية لكل نظام ملكية وهيمنة.
* * *
انطلاقاً من ذلك يمكننا تحديد السمات الرئيسية والدائمة للنظام الرجالي الذي لم يتوقف (مع التعديلات التي أسلفنا الإشارة إليها) عن تسيير كل المجتمعات البشرية منذ نشوء الزراعة وتربية الماشية والكتابة والملكية الخاصة والدولة.
لقد أبرز ماركس وإنجلز الدور الذي لعبته الملكية الخاصة في وضع بنيان المجتمعات الأولى.
لقد أدى التملك الفردي للأرض، إثر الخطوات الأولى في مسار التقدم التقني (حيث مكنت الزراعة وتربية الماشية من الاستقرار على الأرض) إلى نشوء الرق: إن فائضاً وتراكماً في فائض الإنتاج الغذائي (مما لم يكن متاحاً للرجال الذين يمارسون الصيد والتقاط الثمار فحسب) جعلا، مثلاً، من سجين الحرب، قوة عمل ذليلة صالحة للاستثمار، كما أتاح دفع سوية إنتاجية العمل وتقسيمه إلى زيادة دور المبادلات والتجارة. وفرضت، حمايةُ هذا النظام الجديد، إحداث وظائف سلطة ودفاع.
إن هذا الارتباط بين الملكية واستعمال العنف لم ينفصم منذ ذلك الحين. البيروقراطية وضياع الشخصية والاغتراب فحسب، بل أيضاً ما اصطلح على تسميته «عقلنة» المنظومة الاجتماعية في مجموعها، والعمل خصوصاً.
وتُلغي ضرورة العقلنة هذه، شيئاً فشيئاً، كل أبعاد الحياة الاجتماعية الأخرى في هذا النظام الرجالي. باسم الفاعلية و«النمو».
تعطي هذه العقلنة، ولا شك، دفعاً قوياً للتقدم التقني، والمردود والإنتاجية، ونتيجة لذلك لاقتصاد السوق في شكله الأكثر اكتمالاً: شكل سوق عالمية تهيمن عليها بضع عشرات من الشركات متعددة الجنسية. إن ذلك ليتحقق بأي ثمن كان: حتى لو أدى نمو خمس البشرية إلى إفقار وتجويع القسم الأكبر من العالم، وحتى لو أدى تقدم التنظيم الآلي (الأتمتة) والمعلوماتية إلى تزايد البطالة وأخطار الحرب والاغتراب الاجتماعي.
من منطق هذا النظام الرجالي، الذي صنعه الرجال، لخدمة الرجال، وطوّره هؤلاء بطريقة عمياء، أن كل شيء، في هذا العالم يصبح أداة، أداة للاستعمال.

الصفحات