أنت هنا

قراءة كتاب ألوان المغيب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ألوان المغيب

ألوان المغيب

كتاب " ألوان المغيب " ، تأليف عبد الواحد لؤلؤة ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

هذا التمسك بالتراث في أول نشأة جبري في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى هو نوع من الموقف ضد الحكم العثماني وسياسة التتريك التي لم تستطع النيل من التيار العروبي المتنامي في سوريا· وقد انعكس هذا الموقف في قصائد جبري الوطنية مما لازمه في شعره اللاحق طوال فترة الشباب الأولى· فمن بواكير شعره الوطني قصيدة فتيان قريش (ص 81-02) وهي في ثورة الحسين أي في ثورة العرب الكبرى··· وهي ثالث قصيدة عملتها في فاتحة أمري (أنا والشعر، ص 65) ويعود تاريخها إلى 42 كانون الأول 1918· في هذه القصيدة المبكـَـرة، كما في شعره اللاحق، أصداء من شعراء آخرين، إذا غابت عن بعض القرّاء فإن الشاعر قد تكفـّـل بالإشارة إليها في كتابه أنا والشعر الذي يفسـّـر فيه طريقته في كتابة الشعر· بوسع القارئ أن يحصي ما يقرب من عشرين شاعراً عربياً قديماً، أو محدثاً معاصراً يردد جبري أصداءهم في شعره، ويشير إلى ذلك في زَهوٍ هو زَهوُ الشباب الناشىء الذي يريد لك أن تعرف أنه قرأ هؤلاء الشعراء وتأثـّـر بهم· من هذه الأسماء شعراء قرأهم في الحماسة لأبي تمـّام أو في كتاب الأغاني وهما من أمهـّـات كتب التراث الشعري العربي· إلى جانب الإشارات تضميناً أو تناصـّـاً من المعلقات او من الكامل للمبـرِّد، نجده يعارض قصائد لشعراء أو يقتبس عبارات أو أبياتاً من: عروة بن أذينه، أبو تمـّام، البحتري، أبو فراس، المتنبي، المعرّي، الشريف الرضي؛ أو من معاصريه مثل المنفلوطي، الرافعي، شوقي، حافظ، مطران من شعراء مصر؛ أو من معاصريه من شعراء العراق مثل الشبيبي والرصافي؛ أو السوريين مثل خير الدين الزركلي والشيخ فؤاد الخطيب وآخرين·

في قصيدة فتيان قريش تتجاوب أصداء المعلقات بمفرداتها وإيقاعاتها، وصورها الصحراوية وكثبانها، وخيولها العتاق وسيوفها البيض التي لا تطيق البقاء حبيسة في أجفانها أغمادها وطوال الرماح في أيدي أبطال تهزّ الجبال وأركانها دفاعاً عن مجد العروبة الذي بـَـنـَـتـْـهُ لنا قريش، وتصيح في تحدٍّ إذا ما تصدّت الحادثات لذلك المجد: سـَـعـَـرْنا الحروب ونيرانها وكأنه يستذكر إذا ما غضبنا غضبة مضريـّة هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دماً من الشعر الجاهلي· تبدأ القصيدة بتحية لدمشق وتمجيد لشأنها وهي الواقعة تحت النير العثماني الذي جاء فتيان قريش لتحريرها منه· والقصيدة معارضة لقصيدة خير الدين الزركلي في رثاء شهداء العرب، على نفس الوزن والقافية، كما هي مثل قصيدة الزركلي: وطنية تدور حول دمشق والعروبة وتحدّي ظلم العثمانيين·

معارضة الشعراء الآخرين، من قدماء ومـُـحدثين ومعاصرين كانت وسيلة جبري في كتابة الشعر، وبقيت كذلك حتى أواخر أيامه، فهو لا يجد ضيراً في ذلك، بل يحسبها وسيلةً للتواصل مع التراث العربي في الشعر، وصفةً تميز وطنية الشاعر· وربما أمكننا الإشارة إلى أن الإكثار من المعارضة وتضمين شعر الآخرين يقع في الفترة 1917-1925أو أكثر من ذلك بقليل· ففي قصيدة أغنية المغلول (1925) يذكر جبري في ذيل القصيدة أنه أعجب بقصيدة مصطفى صادق الرافعي المنشورة في جريدة الأهرام بعنوان ترقيص طفلة فجرى على هذا الأسلوب في ثلاث قصائد منها أغنية المغلول ومناجاة الطير (1926) وترقيص الطفلة التي أصبحت مناغاة الطفلة (1923وهذا، كما يشير جبري، من الخفائف في الغناء العربي القديم؛ لذا لابأس من المحاكاة: أنا يا طير مغولُ متى أنجو من الغـُـل؟ مفاعيلـُـن مفاعيلُ، هـَـِزجنا في أغانيكم وشاقتنا معانيكـُـم· والهزج من الغناء العربي القديم؛ ولكنه هنا غناء وطني، على ما فيه من نغم حزين، كان الشاعر يحسّ به، وبما كانت نفوس الناس في الشام تشعر به بعد انحسار الآمال بالحكومة العربية التي تشكلت بعد انسحاب الترك، وما أعقب ذلك من دخول الفرنسيين في تموز 1920· والنغم الحزين صفة القصائد الوطنية في هذه المرحلة، مثل وطني دمشق (1923) ولو أنها لا تشبه الخفائف ووزن الهزج الراقص· في هذه القصيدة من البحر الكامل نغم حزين كذلك ونبرة من التفجـُّـع على ما آلت إليه حال البلاد بعد إخفاق الحكومة العربية ودخول الفرنسيين· قافية هذه القصيدة مَـرْكـَـبٌ صعبٌ، يحاول الشاعر الشاب تذليله بالتزام القافية نفسها في الشطر الأول؛ لكن الوهن يأخذ منه في البيت الثالث - من أصل عشرة أبيات - الذي لا تستقيم قافية شطره مكسورة اللام مع قافية القصيدة مفتوحة اللام· وهذه محاولة لا أرى لها من داعٍ، لكنه طموح شاعر شاب يريد إثبات براعته في النظم، ويريد شهادة الآخرين، بمن فيهم الشعراء، على تميـّـزه، كما يذكر في أكثر من موضع في انا والشعر، وفي هوامش بعض القصائد· ورغبة الشاعر الشاب في إثبات الذات في الشعر الوطني تمثلها ملاحظة أثبتها على الصفحة الأولى من اثنتي عشرة قصيدة تشكل وطني دمشق إحداها، تظهر عليها روح الثورة وذيـّـلها بعبارة لم يسمح المراقب بنشرها

مثل هذا الجهد العقيم في اصطناع القوافي نجده في قصيدة بكت النجوم (1912)· هنا استعراض لتمكـّـن الشاعر من اللغة في مفردات اضطر محقق الديوان إلى تفسير بعضها في هوامش ليست بالقليلة· ثمة مترادفات مرصوفة رصفاً لغرض الحفاظ على الوزن والقافية· البؤس والشقاء، الأشجان والشجون، البـُـرحاء واللأواء (ما أندر هذه الكلمة!)، الحوباء (بمعنى النفس!)، أجبال جمع قلـّـة من جبــل، السلـّـو والعزاء؛ ثم ما معنى البيت ما رابهُ إلاّ تبدُّدُ آلهِ أيدي سبا في أرضه وسمائه؟ لقد تألم الشاعر لتفرّق آله وصحبه كما تفرق أيدي سبا (جنود سبا) في أرض اليمن وصحرائها· ولكن كيف تفرقوا في أرضه وسمائه؟ تفرّقَ قومُ سبا بعد طغيان السيل عليهم، لكنهم تفرقوا في الأرض لا في السماء· أم أن ذكر الأرض يستدعي ذكر السماء، لضرورة القافية؟!

الصفحات