أنت هنا

قراءة كتاب الإسلام والدولة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإسلام والدولة

الإسلام والدولة

كتاب " الإسلام والدولة " ، تأليف النيل عبد القادر أبو قرون ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

الصفحة رقم: 2

الإيمان بالرسول

أمَر الله سبحانه الذين آمنوا بالارتقاء بالتقوى ليؤمنوا برسوله، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ}(6)، فالإيمان بالرسول محمد صلى الله وبارك عليه وآله هو مَطلَب الحق من الذين آمنوا، فنسأله تعالى أن يجعلنا من المتقين وبرسوله من المؤمنين وأن يرفع إيماننا به إلى اليقين، ويجعلنا لرسوله من القانتين، ليؤتينا أجرنا مرتين قال تعالى: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ}(7) وألا يجعلنا مع الذين يجنحون {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}(8)·

جاء في حديث لعبد الله بن مسعود ] ليس حفظ القرآن بحفظ حروفه(9) وفي ضوء هذا فيكون الذي يحفظ القرآن وهو مُستَمسِكٌ بما يُعارِضه من قول الرجال ليس بِحافظٍ له بأيّ حال، وهو إمّا أن يكون كالحمار يحمل أسفاراً وإمّا أن يكون من الذين {اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}(10) وإما أن يكون من الذين {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا}(11)·

قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(12) وقال عزّ من قائل: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(13)· هكذا أمر الله سبحانه أن يكون أسلوب الدعوة إلى الله تعالى· وجاءت بعض الأحاديث النبوية على تبيان هذا النهج القرآني، فقال صلى الله وبارك عليه وآله حَبَّبوا الله عز وجل إلى الناس وحَبَّبوا الناس إلى الله يُحبِبكم الله(14) وقال صلى الله وبارك عليه وآله يسّروا ولا تعسّروا وبشّروا ولا تنفّروا ونهى سبحانه عن إكراه الناس في الدين بل أعطاهم الحرية الكاملة لإرادتهم فإن أرادوا أن يكفروا أو أرادوا أن يؤمنوا فذلك متروك لهم، لا يُكره أحد من الناس على اعتناق الدين؛ لأنّ مَن يُكره على شيء فهو كارِهٌ له، وذلك يقود للنفاق الذي هو أسوأ من الكفر {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}(15) وليس الدين الذي أنزله الله على عباده بذلك الشيء البغيض المكروه حتى يُجبَر الإنسان عليه أو يُقاتَل ويراق دمه إن لم يعتنقه ويستباح ماله وعرضه، إنما هو لرقي الإنسان وليتم له صالح الأخلاق؛ ولهذا كانت بعثة النبي صلى الله وبارك عليه وآله فقد جاء عنه إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق(16) فلا مجال فيها للاعتداء على الحريات قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}(17)· ولكن نجد هذا النهج الربّاني يصطدم بحديث ينسبونه لرسول الله صلى الله وبارك عليه وآله وهو أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ(18)!!! فهل يُمكننا تصديق من يقول لنا إنّ النبي المعصوم صلى الله وبارك عليه وآله يقول أو يفعل ما يُعارِض ما أُنزِل إليه من ربه، أو يتَّخذ نهجاً غير الذي أُرسِل به؟ وهل قاتَلَ النبي صلى الله وبارك عليه وآله الناس لإجبارهم على الدخول في الإسلام؟

وهل جاء النبي صلى الله وبارك عليه وآله برسالة يستبيح بها دماء كلّ الناس وأموالهم إلا أن يقولوا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ أهكذا الرحمة المُهداة؟ بل هل توجد حادثة واحدة أجبَرَ فيها النبي صلى الله وبارك عليه وآله أحَدا من الناس على أن يشهد أن لا إله إلا الله وأنّه رسول الله؟ وهل يَصِح أن يُنسَب إليه حديث جُعِل رزقي تحت رمحي(19) وهو القائل إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني(20)؟ وقال تعالى {··· لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}(21)·

فقد فتح النبي صلى الله وبارك عليه وآله مكة فلِمَ قال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء بدلاً من أن يأمرهم أن يقولوا لا إله إلا الله؟ فإن كان أُمر بأن يقاتل الناس على الشهادتين كما جاء في الحديث المزعوم فكيف لا يمتثل لأمر الله وهو رسوله الأمين الذي لا ينطق عن الهوى؟

وما يؤكد عدم وجود أمر له بغير ما فعل، مَنحُهُم الحرية وإطلاقُ سراحهم بكل كرامة، تماشياً مع إرساء قواعد الإسلام وطاعة لربه العظيم الذي بين بوضوح لا لبس فيه أن الحرية مصونة في الإيمان أو الكفر {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}(22)، وأنه لا إكراه أبداً على الإيمان، فمِن أين جاء المحدثون بتلك الأحاديث التي تناقض النص الصريح للقرآن، وإذا افترضنا أنّ نِسبة الحديثِ لرسولِ الله صلى الله وبارك عليه وآله صحيحة، كما يدَّعون، فلماذا تبرأ إذن من فعل خالد بن الوليد حينما قتل مشركين يوم فتح مكة؟ فالحديث المنسوب يقول إنّ من لم يشهد أن لا إله إلا الله يُهدر دمه ويؤخذ ماله، وخالد قَتَل مَن لم يقُل لا إله إلا الله ولم يأخذ أموالهم، وقد تبرأ النبي صلى الله وبارك عليه وآله بشدة من فِعلته بقوله: اللهم إنّي أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد(23) فالأمر الإلهي لرسوله الكريم صلى الله وبارك عليه وآله جليّ، هو أن لا يُكره الناس على الإسلام، وأن يَدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، فكيف يُقال إنّ الله أمره بالقتال لنشر الإسلام؟

ولماذا الهياج والصراخ والاعتراض على (البابا)(24) في قوله إن الإسلام انتشر بحدّ السيف إذا كانوا يعتقدون حقاً في الحديث الذي نسبوه لرسول الله صلى الله وبارك عليه وآله ؟

الصفحات