أنت هنا

قراءة كتاب الإسلام والدولة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإسلام والدولة

الإسلام والدولة

كتاب " الإسلام والدولة " ، تأليف النيل عبد القادر أبو قرون ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

الصفحة رقم: 9

ثُم بعد البلاغ من الرسول صلى الله وبارك عليه وآله للناس بما شرعه الله لهم من الشرائع للتعامل في الأمور الاجتماعية فيما بينهم، وفي الأمور التعبُّديَّة الشخصيّة مع خالقهم بالأسلوب الذي حَدَّدَهُ الله سبحانه وتعالى في التبليغ بالكيفية التي أمر بها؛ فهل هناك بعد هذا أمرٌ للرسول صلى الله وبارك عليه وآله بمتابعة الناس لتنفيذ هذه الشرائع؟ يمكننا القول بالإيجاب، ولكن المتابعة أيضاً وضَّحها الله سبحانه وتعالى ولم يتركها للاجتهاد، وهي لا تعدو تذكير المؤمنين فقط، قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ  لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}(99)؛ أما مَن كفر، برفضه للدين، فلا سُلطةَ عليه، ويُترَك وشأنه {وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}(100)، فالله سبحانه هو الذي يتولّى جزاءه في الآخرة، وليس في هذه الدنيا، ما لم يُبادِر بالاعتداء على رسله، قال تعالى: {إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ  فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ  إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ  ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ}(101) فإنّ عذاب الأمم في الدنيا لم ينزل عليهم بسبب كفرهم، بل لأنّهم همَّوا بإيذاء رسلهم {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ}(102) {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا···}(103) لينتفي الإكراه والتَسَلُّط والعقاب في الدنيا باسم الدين على من يكفر أو يرفض تنفيذ الأوامر الشرعية التعبُّديَّة، اجتماعيةً كانت أو شخصيّة· وأعني بالتعبُّديَّة الاجتماعية الالتزام بالشرع - أي بما أنزل الله - في المعاملات كالبيع والجنايات والإرث وعموم العقود· وأعني بالشخصيّة تلك التي بين العبد وربِّه من العبادات كالصوم والصلاة والحج والزكاة· والزكاة عبادةٌ شخصية ولكنها تتعلق بالمجتمع مِن حيث إنفاقُها لا من حيث إخراجُها، ويجب على المؤمن إخراجها ويجب ألّا يُكره على ذلك كما يحصل من جَهلَة جامعي الزكاة، ويظنّونه تمسُّكاً بالدين! وما جاء هذا الفهم الخاطئ في الإكراه في أخذ الزكاة إلا من أولئك الذين اتَّخَذوا أو ظَنّوا أنّ الإسلام هو الدولة· أمّا قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}(104) فلا يُفهَم منه الإكراه في أخذِ الصدقة على الإطلاق، لأنّه لا إكراه في الدين أصلاً كما أمَر الله سبحانه، فكيف يجوز الإكراه في جزءٍ منه كالزكاة؟! إنَّ ما يُفهَمُ من الآية هو استلام ما يُخرجونه طواعيةً مِن أموالِهم مِن زكاة؛ قال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ}(105)، فالله سبحانه لا يأخذها كِفاحاً وقَسراً، بل المقصود هو أن الله سبحانه هو الذي يأخذها حين يُخرِجها العَبدُ طواعية· وبَيَّن النبي صلى الله وبارك عليه وآله عَدَم أخْذِ الزكاة بالإكراه وذلك برفضه قبولها ممّن سبق وأحجم عن إخراجها، وجَعَل ذلك عقوبةً له(106)· وهذا يوضح أنّ التقصير، أو الامتناع عن أداءِ الأمور التعبُّدية الشخصية تكون المُحاسَبة والعقاب عليه عند الله في الآخرة فهو الحاكم بشريعته، وحكمه مؤجل - وإن شاء عجل به - ولا وكيل عنه في الدنيا، ولا يكون التقصير في الدين أو رَفضُه سبباً لحاكم أو أمير ليتسلط به على إنسانٍ في هذه الدنيا لأنّ هذه العبادات بين العبد وربّه· كما أنّ النبي صلى الله وبارك عليه وآله أمر عامله للزكاة أن يُخبِر الناس أنّ الله قد فرض عليهم صدَقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا له بذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنّه ليس بينه وبين الله حجاب(107)، وأمَرَهُ بِرَدِّها على فقرائهم لا الإتيان بها إليه· وأخْذُ النبي للزكاة لم يكن لِكَونِه حاكماً أو سلطاناً - حيث إنه لم يؤمر بغيرِ التبليغِ بالدين كُلِّه الذي ينعدمُ فيه الإكراه - إنما لأنه هو الأقدر على توزيعها، كما أنها مُحرَّمةٌ عليه وعلى آل بيته صلى الله وبارك عليه وآله· ولم يُجبِر أحداً على إخراجها حتى نزول قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}(108)· فسدّ بذلك باب التشريع في الدين - لاكتماله - ومَن يرى غير ذلك فإنه يتّهم النبي صلى الله وبارك عليه وآله بعدم إكمال تبيين ما أُرسِل به، وينظر إلى مَن هو أرجح منه عقلاً ليُضيف أو لِيَنتقِص مما ترك النبيُ الناسَ عليه!! وليقول إنّ إكراهَ الناسِ وإجبارِهم على دَفعِ الزكاة من الحاكم أفضلُ مما فَعَلَهُ رسول الله صلى الله وبارك عليه وآله في عَدَمِ إكراهِ الناس على دَفعِها!! وليعلم أنّ ذلك ليس هو الإسلام الذي جاء به محمدٌ صلى الله وبارك عليه وآله، وسَمِّهِ ما شئت؛ لأنه تشريعٌ مِن حاكمٍ مدني، وليس تشريعاً مِن النبي المعصوم صلى الله وبارك عليه وآله· وليست الزكاة هي بيت مال المسلمين - كما يحلو تسميتها بذلك مِن أصحاب السلطان ليقولوا إنّ الإسلام دولة و ليجعلوا للحاكم حقّ التصرف في مال الزكاة وصرفه في غير ما حدده الله سبحانه باجتهادٍ مِن هواهم، ويظنونه من الدين وهو تعدٍّ على حدود الله وشرعه - إنما هي حقُّ الفقراء المنصوصِ عليهم في كتاب الله لا غير، ولا اجتهاد مع النص المُحَدّد·

الصفحات