أنت هنا

قراءة كتاب الإسلام والدولة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإسلام والدولة

الإسلام والدولة

كتاب " الإسلام والدولة " ، تأليف النيل عبد القادر أبو قرون ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

الصفحة رقم: 10

دولة أم دعوة ؟

لا تتعدى المتابعة على القيام بشرائع الرسالة التذكير، قال تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}(109)· أما الإكراه على التنفيذ، والسيطرة على الناس مِن أجل دعوتهم إلى الله فهي أمورٌ لم يشرعها الله سبحانه ولا أصل لها في رسالة محمد صلى الله وبارك عليه وآله· ولا يُمكن القول بأنّ الإكراه والإجبار من أساليب الدعوة بحالٍ من الأحوال، إنما هو تسلُّط وقهرٌ لا مجال فيه لعمل العقل بحرية بالقَبول أو الرَّفض، كما في الدعوة والتي هي التبليغ والتذكير لا أكثر، قال تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}(110)· ولم يُعطِ الله سبحانه رسوله صلى الله وبارك عليه وآله وأعلم الناس بدينه ورسالته حق التسَلُّط على الناس، ليُكرههم على ما جاء به من عند الله، لأنّ الإكراه لا يدلّ على حُسن الخُلُق وهو أبعد ما يكون عن عظيمها· فخَلا طبع النبي صلى الله وبارك عليه وآله مِن الإكراه، مُتَناسِباً لِما أُرسِلَ به مِن الدين· فكيف يجوز لغيره - على نقصِ علمِهم - إكراه الناس على الدين؟

فخُلِقَ النبي صلى الله وبارك عليه وآله فاقداً لِغلظة القلب {وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}(111)، مُتَدثِّراً بأخلاقٍ بَلَغَت مِن العَظَمَةِ أن مَدَحَهُ بها مَن خَلَقَه {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(112) -ولذلك قيل له: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}(113) بعظيم الأخلاق - التي تنعدم فيها الغلظة المطلوبة للإنذار - لابد لك من التّحلّي والتّجلّي بلبس نوع من الجلال لتُنذر الناس {قُمْ فَأَنذِرْ}(114)· فالأمر يتعلق بلباس التقوى، قال تعالى {وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ}(115)، لا بكثير من الملابس والأغطية خوفاً ووجلاً من المَلَك كما يرى البعض الذين جهلوا قَدرَه صلى الله وبارك عليه وآله، ناسين أو مُتَناسين قول الله جلَّ شأنه: {إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ}(116)،· ويرى البعض - جَهلاً - أن هِجرة الرسول صلى الله وبارك عليه وآله ليلاً ما كانت بمستوى شجاعة مَن هاجَرَ نهاراً وقال: من أراد أن تثكله أمه، ويوتم ولده، ويرمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي(117) بينما المُحَقِّقُ في الأمر يَجِد أن الرسول صلى الله وبارك عليه وآله خَرَجَ على أربعين رجُلاً يريدون دمه، فَحَثى التُراب على رؤوسهم جميعاً، الواحد تلو الآخر· فهل يدُل ذلك على الخوفِ منهُم؟! وأي شَجاعةٍ تُطلَب في مِثلِ هذا الموقِف أكثر مما فَعَلَه رسول الله صلى الله وبارك عليه وآله؟ ليَعلم مَن جَهِل أن لا أحد يفوق النبي صلى الله وبارك عليه وآله شجاعةً، وقال سيدنا علي عليه السلام: ثم كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله [ فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه(118)· وليَعلم كذلك مَن جهل قَدر رسول الله صلى الله وبارك عليه وآله أنَ كُل ما يَفعله النبي صلى الله وبارك عليه وآله إنما هو رحمة للعالمين· فكَبُّ التُراب على رؤوسهم كان رحمةً بهم، إذ أنزَلَ عليهم النوم حتى لا يستيقظوا فيسعوا لأذى النبي فيأخُذهُم الله أخذَ عزيز مُقتَدِر، فإنّ الله سبحانه يغار على رسوله حتى مِن سقوط الذَُباب عليه· فقد كان مِن عظيم خُلُقِه أنه إذا قيل له ادعُ على الكفار قال: إن الله تعالى لم يبعثني طعّاناً ولا لعّاناً، ولكن بعثني داعيةً ورحمة، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون(119)· فهجرة النبي صلى الله وبارك عليه وآله لم تكُن عن خوف، فإن الله نفى الخوف عن أنبيائه، ولم تكُن لغرض إنشاء دولة في المدينة لِنشر الرسالة؛ إذ ليس عليه إلا البلاغ؛ لذلك فإن هجرته كانت رحمةً لأهل مكة حتى لا ينزل الله عليها العذاب {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ}(120)؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى يُنزل عذابه على الناس إذا هموا بإيذاء رسله، قال تعالى: {··· وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}(121) وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ}(122)· وكذلك كانت هجرته رحمةً لأهل المدينة الذين استقبلوه فرحين بمقدَمِه الشريف، فسبقوا المهاجرين بالإيمان {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}(123)، كذلك كانت رحمةً على الأرض التي ضَمَّته صلى الله وبارك عليه وآله حيثُ صارت أفضل من جنات الله العُلى· أما ما جاء عن خوف موسى عليه السلام من الله فسببه أنه سبق أن قتل نفساً قبل الرسالة، فكان الاستثناء الإلهي {··· إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ  إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(124)·

الصفحات