أنت هنا

قراءة كتاب رؤية في فهم الترميز الجمالي للفلسفات الوضعية والأديان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
رؤية في فهم الترميز الجمالي للفلسفات الوضعية والأديان

رؤية في فهم الترميز الجمالي للفلسفات الوضعية والأديان

كتاب " رؤية في فهم الترميز الجمالي للفلسفات الوضعية والأديان " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 10

وبطبيعة الحال ووفق هذا المعنى للسياق الاستدلالي تبقى عملية الترميز "جمالية ناقصة" مستمدة أصل فكرة نقصها من كمال صورة المطلق (فالجمال هو جمال هادف إذ أن الجميل هو ما يحقق النفع والفائدة أو الغاية من الأخلاقية العليا) (15-ص27)، فجاء الترميز ليحقق نوعية وموضوعية في إكسابه صفة جمالية محددة له.

وظلت الأفكار الوضعية تتلاقح تارة وتعمل بالأضداد تارة أخرى حول ماهية الفكرة، وكيفية تكوينها تجاه المطلق وتعقدت رموزها وترميزها، كي تبقى تحت سقف تنظيري مصطنع الإبهام والإيهام حتى لا يعرّضها إلى سطوة الحاكم "السلطوي" الذي لا يسمح بتفكيك شفرات الرموز التي تخصه والتي بالنتيجة تقلل من حضوته بين مجتمعه، وبهذا سيُبعَدْ عن قيم الأخلاق وهي قيم إنسانية لا تنفصل عن السلوك التطبيقي لها، وهو أيضاً سيبتعد عن قيم المطلق لأن (المطلق يجب أن يؤسس المعرفة بواسطة الحق، وأن يُحل الفعل بواسطة الخير وأن يسحر الحساسية القابلة بواسطة الجمال) (1-ص231).

إن اصطفاف معاني الفلسفات الوضعية بجانب مطالب المطلق ما هي إلا ترجمة العرفان الغير مباشرة له، وان ورود الاختلافات فيما بينها ما هي إلا نتيجة توارد الأزمة واختلاف الأمكنة ونضج حاجات الأفراد واتساعها وفق نواميس مجتمعاتها ونضج عقولها، ولا نجد أبداً وجود أية فكرة سواء "تجذرت أو تلاشت" دون وجود حاجة تربطها بمجتمع ما أو أفراد معنيين، وهي معاي لأفكار جمالية تراكمية في المجتمعات التي يسود فيها الحراك الفكري بمختلف تناقضاته (فكل موجود ينطوي على معنى كما أن كل معنى لا بد له من وجود، ولا تعبير بدون حياة كما أن الحياة لا تخلو من تعبير فالحياة هي روح الفنون وهي رمز وتعبير وهما ميزات الحقائق الكونية) (4-ص7)، وهذه المعاني حددتها تلك الفلسفات، وتوسعت في رموزها وجمالياتها "كتطبيق عملي للفكرة"، حتى أصبحت هي بحد ذاتها وفي ذاتها "رموزاً جمالية" نعتز بها ونستسيغ رؤيتها وسمعها وتحويلها إلى أفعال إنتاجية جمالية، وفق رموز حددها الصانع الماهر المبدع الخلّاق.

إن بلوغ الحقيقة "الجمال" بين الأديان والفلسفات هو سبب كون الأولى تأتي عن طريق أدوات خصها المطلق وهيأها لأن توّصل ما يريده بأمانه وثبات واكتمال، وواسطة ذلك هو (الوحي- المين) وهو دالة جمالية لا جدال في شرعيتها وكمالها واكتمالها بإرادة وصنع المطلق، أما ما يطرحه الفلاسفة من أفكار لا تأتي إلا من خلال تجارب حسّية (تُخطئ وتصيب أحياناً) ويصل إليها من خلال العقل، وهذا العقل هو الذي يسلسل الأحداث ويكتشف جمالياتها ورموزها، ويحددها وهو الذي يشير إليها بالرضا والاستحسان ولكنها تبقى تختلف اختلافاً جذرياً في البقاء كون الأفكار الفلسفية الوضعية خاضعة للعدم لتحلل وتنقرض، أما الأديان التي خصها المطلق بنسبويين معلومين لديه فهي باقية مستمرة إلى قيام الساعة المرتقبة لديه، وهي فكرة جمال منهُ، فالأديان هي "معجزات عقلية مطلقة المنشأ" وخص بها بعضاً من نسبويين معلومين محددين وخص آخر معجزة منه ممثلة "بالإسلام" وهي مستمرة وشاملة إلى كل المجتمعات منذ بدء نـزولها إلى حدود إرادته بانتهائها، وهي قدرة جمالية يختص بها وحده دون غيره، ولهذا ومن خلال رؤية هؤلاء المفكرين ووفق دلالتهم الزمانية والمكاني التي وجدوا فيها التي تأثروا وأثاروا بطبيعة موجوداتها الحياتية التي استلهموا منها أفكارهم ورؤاهم التي لم ينفكوا إلا بتعديلها وإبدالها أحياناً وفق الحاجات والمصالح الوضعية التي تستجد كلما تعمق الوعي في زمانه وتجذر الفكر في ماضيه، أي خلق حالة "نبش" لماضي الفكرة ورموزها ومن ثم تحسينها لتنسجم مع الحياة الجديدة مكاناً وزماناً.

وبهذا التصور المرمز نشأت الاختلافات الفلسفية الوضعية مكونة من ثلاث رؤى ترتبط جميعها بجمال المطلق وهو صانعها وتبتعد فيما بينها وتفترق في التصور والفعل العقلي، أي المنتج المادي لها، فكانت الرؤيا الطبيعية، وخير من يمثلها طاليس* وانكسيندرس* وانكسيمانس* وهرقليطس، حيث امتدت لفترة طويلة من قرون قبل الميلاد، بحدود القرن السادس والخامس، واعتبرت آرائهم هي تجمع الأفكار حول محور الطبيعة، وجذبت العقول النسبوية كمركز لها لتمعن التفكير والفكر، واستخدمت الطبيعة العقلية لتحقيق مواصفات الجمال الذي يحتوي هذه الطبيعة المادية غير متغافلة تسلل الهواجس الدينية إلى هذا العقل المادي المفكر الجميل، حيث يقول "انكسيمندرس" (بوجود قانوناً كلياً يسيطر على الوجود ويفسر كيف أن الوجود لم يبدأ ولن ينتهي) (13-ص15)، واعترافهم الواضح بحق المطلق في فضلهِ بتكوين أفكارهم من تأسيس ووجود الكون المادي لهم (إن هذا العالم لم يضعه احد من الآلهة أو البشر، ولكنه كان أبداً وهو كائن وسيكون ناراً حيه... هذه النار هي الله) (14-ص18).

أما الرؤية الثانية فكان للمدرسة الرياضية أو خير من يمثلها هو فيثاغورس وبارمنيدس (حيث جمعوا في أفكارهم الفلسفية بين خصائص العلم الرياضي والاتجاهات الأسطورية... ذات التجريد العالي والدقة المتناهية... ولها رموزها وطقوسها السرية) (11-ص43)، حيث ظلت هذه الأفكار تعمق الترميز وتكثر من الرموز ودلالته رياضياً لتحاكي الرؤيا الأولى في بدأ النشئ والخلق فقط في فهم نواميس الكون المادي وموجدها الأول "المطلق" وما عدى ذلك فهي تبتعد كثيراً في رؤاها المادية بما يخص النسبـي ذات العقل المادي والجسد المحسوس، والتأكد على أن يظل هذا الجسد نقياً وروحه طاهرة من أية مفسدة تعيبهُ في تعامله الحياتي، وكانت هذه الأفكار رائجة ومقبولة أيضاً عند سقراط* وأفلاطون* وأفلوطين (وكانوا يروا أن الغاية من تعليم الرياضيات والموسيقى هو بلوغ الانسجام بين الروح والجسد) (12-ص94)، وهو الانسجام الذي تحدثنا عنه فيما سبق من هذا الحديث، الذي يتفاعل مع مكونات الروح والعقل وبواطنها ذات التطهير العالي تجاه المطلق "الرمز الأول".

أما الرؤيا الثالثة فهي الفكرة الأكثر صعوداً إلى المطلق والقريبة من مراده وإرادته، غير مبتعدين في نفس الوقت عن الفكرتين الأوليتين، وخير من يمثلها هم "ابنادوقليس* وديمقراطيس* وانكساغوراس*" وهنا بدأ التأثير الأجنبـي من الأفكار اليونانية يتدخل بشكل واضح وفاعل، أي الأفكار الشرقية وبلوغ الرؤى الفلسفية وأفكارها مقاماً جديداً في رؤية الدين، باعتبار كان يفهم ولا يزال إن من ابتدع حب الحكمة والمعرفة هو الإنسان عميق التفكر بالكون وطبيعته وكل ما يولد منه يعتبر تحت سقف عُلا المطلق ومحيط بالطبيعة ومتداخلاً معها، فكانت الفلسفة ما قبل سقراط محطة هادئة لتلاقح الأفكار النشوئية البكر مع الطبيعة ومبصرة في نفس الوقت إلى فكرة الروح المطلقة التي يطمئن لها الأفراد كلما احتاجوها واستلاذوا بها في احتياجاتهم المادية والروحية، كذلك أفكار أفلاطون وأرسطو التي أتت بالمثل العليا كدالة للعدالة والتطهير والجمال ما وراء الكون الطبيعي، أي التطلع إلى كمال المطلق الجميل الأوحد، وخارج كينونة الزمان والمكان المحددين لهما (بحيث يعطي الأولوية للوعي أو الفكرة أو الروح ويعتبر الطبيعة نتاجاً لها) (15-ص90)، باعتبار أن الطبيعة هي وجه من أوجه المادة.

الصفحات