كتاب "بغداد حبيبتي (يهود العراق – ذكريات وشجون)"؛ كتبت هذه الذكريات بصورة عفوية اثارتها دعوة الأستاذ الشاعر عبد القادر الجنابي لاجراء مقابلة معي يكتبها الدكتور سمير الحاج المحامي، ثم انهالت الذكريات مسلسلة كلما اثارت الاحداث حلقة منها، كتبتها للحقيقة والتار
أنت هنا
قراءة كتاب بغداد حبيبتي (يهود العراق – ذكريات وشجون)
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
موقف "موريه" من ميتافيزيقيا اللعنة:
سابقاً، عندما سقطت الملكية وأتى تغيير عام 1958، قالوا انها لعنة يهود العراق.! وانتقاما لكل ما جرى بحق بناة الوطن الأوائل. وفي نكبة 1963، رموها على لعنة ما جرى للعائلة المالكة.! بهذا، بَرئوا العائلة من ذنب تهجير اليهود، وشناعة عهرهم ذاك. واستمرت اللعنات مع مسلسل التهجير ونزيف الدم ومع استمرار رب الساسة بميتافيزيقيات لعناته. انتقم من كل العراقيين دون استثناء: يهود وأكراد وعرب وفيليون وتركمان وصابئة ومسيحيون وكل من ناضل بشرف من أجل عراق مواطنة حر مزدهر سعيد.
خلافاً لكوميديا ومسخرة "رب الساسة" الغارقة بالدم والألم والآثام، وخلافاً لميتافيزيقيا لعناته الانتقامية، يسحبك سامي موريه مع لغته المشبعة بروح محبة وطيبة متسامحة يغذيها نـُبل إلهٍ متوازن بلا لعنات ودون وعيد وضغائن. إله يكمن في عراقية وروح موريه الوطنية والانسانية. روح نبيل متسامح طيب يتسلل الى وجداننا، يثير بأسى وأسف ومرارة تساؤلنا المشترك: يا إلهي، ماذا فعلنا لنتحمل كل تلك القسوة وهذا الظلم؟ وأي قدر إلهي يحمل كل هذا الكم الهائل من الإثم والكراهية وسيول الدم.. وكل هذا الذنب ؟؟.
شجون "سامي موريه".. عواطف مثقف، جاشت روحه الإنسانية نبلاًً ورفعة، متجاوزاً روح الانتقام والتشفي بنا. بل على العكس، ظلّ وفيا نظيفاً يسرد مواويل قهره ووجعه وحبه وحنينه دون توقف وبلا شماتة منتقم حقود. سُمو "سامي موريه"، أنه في الثمانين ظل مثقفاً لبرالياً نبيلا يرفع يديه دوما بالدعاء، لسلام وأمن وحرية معشوقة، كان قد ربط معها في ساعة وجد صوفي، طرف حبله السرّي الآخر الموغل في عمق روحها وقِدَم تاريخها. لكن المؤسف.! إن أسوأ ما في معشوقة كهذه، انها عاهرة دون إرادة. ناكرة جميل سافرة جاحدة مفضوحة بامتياز. الغريب ان نُبل حب العاشق موريه يتجلى بأسئلة عتاب وغزل ودعاء متواصل لها بالتوبة والأمان ولا سواه. عتاب قديس لراهبة حبه الاول. عتاب من قلب ابيض راح يلهب روحنا بسياط كلماته المتبَّلة ببهار بغدادي يثير الضحك حد البكاء. ينقلك فيه بشغف لتحصل على ومضات مضيئة صادحة بالنكت ولحظات رطبة ندية تسليك وتنسيك وتريحك، ثم ما تلبث ان تلهب ذاكرتك وتوخز ضميرك بلسعات سياط ومسامير تساؤلات مضنية تفتت القلب. شدة إيلامها، أن لديك كل أجوبتها الفاضحة لذاك العهر المثير للتقيؤ. أجوبة تنهمر من وجدانك نشيجاً ودموعا طاهرة لا تتوقف رغم نكات ترطيب الخواطر البغدادية الخانقة التي تجعلك هي الاخرى، تنتحِب أكثر وأكثر وأكثر على ضياع وفقدان أعز الجيران والأصدقاء، الموغلين معنا في عمق تاريخ بِدأ الخليقة.
ايها العزيز سامي موريه، وطنك الآن بعيد جدا عن وطن أيام الخير. وطن خيال صباك وروحك الطيبة الحالمة به، والآملة له وللجميع بغد حر ديمقراطي أفضل.. فآمالك وأمانيك الطيبة: عشقٌ ساميٌ مترفعٌ يقدم لنا حُباً عُذرياً وعتابَ حبيب لمعشوقة زنت ذات مرة في غفلة من تاريخنا المجيد المشترك. لكني حينما أقلب صفحات ماضينا القريب كي أتحدث بحيادية عن ذات المعشوقة، وطن مآسينا المشتركة، وطن صبا "سامي موريه"، تنازعني بأسى، زحمة ضياع فرص حريتنا وانعتاقنا وفسحات الأمل المهدورة.
ليس زنا ان نعري عشيقتنا المريضة المدماة أمامنا الآن . حقيقة الأمر أنها "رمزياتنا" الوطنية الساذجة من نخلة وأرض صماء و... و... رموزنا أوثان خلدت خطأً في تاريخنا وذاكرة طفولتنا وصبانا السعيدة. المؤسف أنها الآن تسرف في ضياع الفرص وتُـفرِّط بفرصتها التاريخية الأخيرة. ماذا نأمل من عهر سياسي لم يتعلم شيئًا، عبر أقدم تاريخ للبشرية في الكون، غير النهب والسلب وصناعة الموت والخوف والكذب، وها هي تصرُّ مكابِرَة على مخالفة كل وصايا وأخلاق السماء؟
عار معشوقتنا المشتركة أنها عَنودة مُكابرة ، طاب لها أن تذبح روح الله، أي الانسان، وهي تبسمل باسم الرب. ألسنا نتكلم عن أفعال وطن كفعل لسلطة سياسية؟ أفعال أرَّخَتها حروفك الـ"عربية" المضيئة التي وضعت لنا فوق كلّ منها، نقاط دم أهلينا وأهليك. ورسمت لها علامات استفهام مضنية مثيرة للبكاء، سياطاً لنا من نشيجك الساحر لجلد الذات.. ماذا نُسمي سِرّ ترجيك لها إذن؟ "كفاكَ ضياعاً يا عراق"..! يا لفداحة ما فات وما ضاع!
لتوضيح المقاصد، وكي أطيبَ خاطرك يا عزيزي.! فعاهرة الجسد لا تـُؤذي إلا حالها. لكن! هل يتغير من يكرر ممارسة عهره السياسي في العلن وفي عصرنا الحر الساحر هذا..؟ إنه الحضيض على ما أظن، فلا أمل يرجى للخلاص دون تغيير!! دعنا نحلم سويةً بمعشوقة جميلة تلم شملنا، تقرب كل الأديان والطوائف والقوميات.. دعنا نحلم بوطن، "أم" فاضلة طاهرة حنونة ذكية يعشقها، يعيش من خيرها الجميع. وكي لا يبقى الوطن رمزا وثنيا لعبادة قادة فاسدين وطغاة قتلة.
ربما ثورة شباب الحرية الصادحة المبشرة بغدٍ حرٍ أفضل، تعيد لنا أحلامنا وآمالنا المشتركة من جديد. إنها رياح التغيير الديمقراطي ..! حلـم قديم بزغ نوره من تمني نبيل لـ" رؤيا مباركة"*3 للحبيب سامي موريه. يا لفداحة خسائر ما ضاع..!!!
___________________________________________________________
*1- احصائيات المؤرخ حنا بطاطو. وكذلك احصائيات وردت في كتاب فاضل البراك "المدارس اليهودية والايرانية في العراق". الذي سحب من الاسواق بعد توزيعه بحجة وجود إحصائيات اعتبرها النظام مديحا يمجد تأريخ يهود العراق..!. أعدم "البراك" بتهمة العمالة..!
*2- رفض الدكتور سامي موريه منحه الجنسية العراقية عن طريق كردستان لانها لم تشمل كل يهود العراق. ( نقلا عن مقابلة معه بثها تلفزيون روسيا اليوم)
*3- يقول موريه في "الرؤيا المباركة" من ذكريات وشجون: ما أحوج العالم اليوم الى السلام بين الدول والشعوب لخير الانسانية ومسقبل الأجيال القادمة ورفاهيتها عن طريق التعاون في ميادين العلم والتكنولوجيا الحديثة للقضاء على الفقر والجهل والمرض والتعصب الديني والتصحر وتلوث البيئة.
عن "الحوار المتمدن" - العدد: 3323 - 2011 / 4 / 1


