كتاب "بغداد حبيبتي (يهود العراق – ذكريات وشجون)"؛ كتبت هذه الذكريات بصورة عفوية اثارتها دعوة الأستاذ الشاعر عبد القادر الجنابي لاجراء مقابلة معي يكتبها الدكتور سمير الحاج المحامي، ثم انهالت الذكريات مسلسلة كلما اثارت الاحداث حلقة منها، كتبتها للحقيقة والتار
أنت هنا
قراءة كتاب بغداد حبيبتي (يهود العراق – ذكريات وشجون)
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
الوالدة سنيوره معلم- موريه مع السيدة ينائيت بن تصفي زوجة رئيس الدولة اسحق بن تصفي
عام 1962 في محاضرة لها عن يهود العراق في معهد بن تصفي ليهود الشرق
ثم حدثت حادثة أخرى تصاعدت فيها مشاعر الحذر والخوف من المستقبل. ففي احد أيام السبت التالية خرجتُ مع أخي البكر جاكوب، هذا الذي كان فخر العائلة، فقد أستطاع أن يقرأ كتاب "السيلابير" للغة الفرنسية للصفوف الابتدائية في مدرسة الأليانس وهو في سن الرابعة، وكان يتنافس مع صديقه أيلي خضوري (كدوري) الذي أصبح فيما بعد أستاذا للعلوم السياسية في جامعة لندن، على الأولية في صفهما. خرجنا للتنزه ولرياضتنا الصباحية وهي لقط التمر المتساقط من النخيل في بستان مامو الذي كان ما زال في أوج ازدهاره بسواقيه التي تسقى بالمضخات وأشجار البرتقال والنومي (الليمون) الحلو والحامض تنمو تحت ظلال النخيل الباسقة التي تحنو عليها بسعفاتها الوارفة. خرج علينا ولـد حافي القدمين في سن السابعة بين سـن أخي وسني وصاح: "ولكم يهود! ولد الكلب وين رايحين؟ لأنعل ابوكم يا بو دينكم، أطلعوا من هنا!" انحنى ليلتقط حجرا ليضربنا به، بادرته بحجر على ظهره ففر "يعوي" وهو يكفر بالدين ويهدد. تهيأ أخي للهرب فلما رآه قد فر هاربا قال متعجبا: "هايي أشلون مخفت مِنّو؟ اشلون ما نِهْزَمْت؟" قلت لأخي: "ليش اخاف منوّ؟ نحنا ثنين ونخاف منو وهوى ويحد؟ معينت أشلون أنهزم!" خجل أخي الذي تربى في محلة يهودية في بغداد حيث يصول فيها أولاد المسلمين ويجولون شتما وضربا بأولاد اليهود الذين اعتادوا الفرار واللجوء إلى دورهم اتقاء للشر، وإلا صاح الولد المسلم إذا تجاسر ورد عليه "يهودي جسر وعركاوي" الصاع صاعين: "يا امة محمد أيهودي كفر بديني!"، وهكذا يتلقى اليهودي درسا لا ينساه مدى الحياة في آداب الذمة وآداب معاشرة المسلمين والخوف والحذر و"كِفْيانْ الشر" إذا سبه مسلم أو ضربه. ثم قال لي بعد أن أصبحت الاعتداءات على اليهود تتكرر وتزداد عنفا: "لا بد لنا من تعلم المصارعة للدفاع عن أنفسنا". وفي اليوم التالي جاء بكتاب "المصارعة الحرة" لعباس الديك المصارع العراقي، كان قد أشتراه من مكتبة المثنى. قيل عن عباس الديچ هذا انه فاز في مباراته مع بطل ألمانيا العالمي في المصارعة وهو (هر كريمر)، في عام 1935 فاحتفى به الشعب العراقي والملك غازي احتفاءا بالفوز الباهر. فقد روى أصدقاؤنا الأساطير عنه وعن قوة وبطولة "عباس الديچ" وفنونه في المصارعة الحرة. تعلمنا من الكتاب "فك قبضة الياقة" بأن نعصر على إبهام قبضة الخصم لشل قوته "وفك الياخة" (ياقة)، والضغط على كف اليد والساعد لشل مقاومته كما يفعل رجال الشرطة أثناء القبض على المجرمين، وتعلمنا ما سميناه "ضرب المخيط" وهي مسكة مؤلمة توضع فيها إصبعين بين أضلاع الخصم لتشل حركته، و"الكـلابند" وهو وضع القدم وراء قدمي الخصم ودفعه إلى الوراء فيصرع على ظهره بسهولة. كانت هذه التدريبات قد عززت ثقتنا بالنفس فلم نعد ”ننهزم لأول مسبة وكفر بدين اليهود"، وصرنا نشترى "الشر بفلوس" لنجرب على الخصوم مسكات "عباس الديج"، حتى قال الوالد: "تغا لا تسيغون مثل العريضى بدرب الاسلام، ليطلعكم ويحد حامض بولة، ويهبشكم!" (لا تصبحوا معاكسين في درب المسلمين، فقد تلاقون مسلما سريع الغضب ويذيقكم الأمرين). وفي البتاويين لم تكن تهمة "أيهودي كفر بالدين" سارية المفعول. كنا أصدقاء "روح بالروح"، وإذا تخاصمنا مع المسلمين، نتبادل مسبة بمسبة وكفخة بكفخة، أو چلاقة بچلاقة، وتنتهي المشكلة. أما في محلات مثل الست هدية وعباس أفندي والمهدية والفضل والكرخ وغيرها من المحلات التي تسكنها الأغلبية المسلمة، فالويل لليهودي الغريب عن المحلة، فليس له "حرمة دفاع المسلم عنه" التي تمتد إلى "سابع جار". فإذا جرؤ مثل هذا اليهودي على رد المسبة بمسبة، فسرعان ما يصيح المسلم: "يا امة محمد! أيهودي كفر بديني!"، وتعال يابا خلصنا؟" إذ كثيرا ما تنتهي المسألة "بفشخات" يسيل فيها الدم، ويؤخذ الضحية إلى "القلّغ" أي مركز الشرطة، وهناك "لازم تلَعّـِب إيدك" (تدفع الرشوة) وتسوّي واسطات، لكي تخلص من الورطة التي وقعت فيها. كنا أخوتي وأنا "ولاد ما نقعد على أرض الله دقيقي راحة" كما كان يقول الوالد. ولكي تتخلص الوالدة من "وكاحتنا ولغاوينا" كانت ترسلنا في العطلة الصيفية عند خالي حاييم او عمتي هيلة اللذين كانا يسكنان في محلات سكن تقطنها غالبية مسلمة متعصبة.


