أنت هنا

قراءة كتاب بغداد حبيبتي (يهود العراق – ذكريات وشجون)

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بغداد حبيبتي (يهود العراق – ذكريات وشجون)

بغداد حبيبتي (يهود العراق – ذكريات وشجون)

كتاب "بغداد حبيبتي (يهود العراق – ذكريات وشجون)"؛ كتبت هذه الذكريات بصورة عفوية اثارتها دعوة الأستاذ الشاعر عبد القادر الجنابي لاجراء مقابلة معي يكتبها الدكتور سمير الحاج المحامي، ثم انهالت الذكريات مسلسلة كلما اثارت الاحداث حلقة منها، كتبتها للحقيقة والتار

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: مكتبة كل شيء
الصفحة رقم: 10
في مباراة الملاكمة لبطولة مدرسة شماش على ساحة مناحيم دانيال في البتاويين، 1949
 
أما المرة الأولى الذي وقفت فيها على معاملة المسلمين لليهود في بغداد القديمة فقد كانت عندما أرسلتني والدتي لتتخلص مني إلى بيت عمتي هيلة القاطنة في محلة "عباس أفندي". وقفت على عتبة الدار فجاء ولد صغير لابسا دشداشة وحافي القدمين وقال لي: إيهودي! شِتْسوّي (ماذا تفعل) واقف هنا؟"، قلت له كما اعتدنا أن نجيب في البتاويين على مثل هذا السؤال: "امشي سرسري! لانعل ابوك يابو الجابك (ومن ولدك)"، وبكل جسارة دخل الولد دار عمتي هيلة وصاح: "هذا إبنكم سبني، لازم أبسطه (أضربه) وأأدْبَه!" قالت له عمتي: "ميخالف ابني مشيها، كل المسبات عليّا!"، أجبتها بغضب: "لا علينو، علينو، أنعل أبونو يابو الجابو!"، صاحت عمتي: ابدالك إبن اخوي ابراهم شالوم، اسكت بقى، ليش هوني البتاويين، فتغيد تبلينا اببلوه؟". قدمت الملبس للولد وقالت له: "مشيها ابني، ميخالف، هذا جاي من البتاويين، هناك صايرين اليهود عشره ويا الاسلام مو مثل هنا!". 
 
وفي مناسبة أخرى لمثل هذا الجلاء القسري من بيتنا في البتاويين لترتاح الوالدة من "وكاحتي"، كنت واقفا في ساعات الصباح على عتبة دار خالي حاييم في "الست هدية" أرقب "الجايين والرايحين"، فاذا ببنت صغيرة في العاشرة من العمر جاءت تتحرش بي: "ايهودي گواد، ابن الكلب! أش واگـف تسوي!، تتفرج على النسوان؟!". ظننت أن هذا "العگد" مثل البتاويين، مسبة بمسبة وتنتهي المشكلة، قلت لها باللهجة الإسلامية التي أتقنتها في مدرسة السعدون: "امشي گرعا (قرعاء)، انعل ابوچ يا بو الخلفچ!" وإذا بها "تصفق الصوت" بأعلى صوتها وتضرب رأسها صارخة: "يا امة محمد! إيهودي يگولّي گرعا!" (يهودي يقول لي قرعاء!) وإذا "بفزعة" تقوم على قدم وساق، وينسل الأولاد والشباب من كل حدب وصوب وهم يصرخون: "ولچ وينا اليهودي، لنلعنلچ دينه ووالْـدِيه!". أخذت الحجارة والطابوق تنهال والضرب "بالتواثي والمگاوير" تتلاحق على الباب حتى كاد أن يتحطم. أغلقت الباب بسرعة وهرعت بلانش وإيفلين وجاكلين بنات خالي وأقفلوا الباب الذي كان يدوى ويهتـز مع كل طابوقة ترمى عليه فدعمناه بتخت ثقيل، وصعدنا إلى السطح والبنات يبكين ويولولن: "وي غماد! وي ابيل! ابدالك سامي اسويت (ما عملت)! ساعة السودا ولا طلعت بغا (خارجا)! ليش قتخمل (أتظن) هوني مثل البتاويين؟ هوني يذبحوك والله!". وبعد ساعة هدأ ضرب الحجارة وساد السكون! جاء خالي حاييم وزوجته وموريس ابنهما البكر وأزاحوا أكوام الحجارة المتراكمة وسألوا "أش دعوى؟ أش ساغ؟"، أخبرتهم بحادثة "الگرعا" وسبها لي وصراخها: "يا امة محمد!". قالت سليمة زوجة خالي: "لكون تطلع لدغب بعد، تغا والله يقتلوك، غدا من الصباح ترجع إلبيتكم، بيش فتغيد تبلينا؟ا". وبعد أن غربت الشمس وحل الظلام، أردت أن أتنفس هواء نقيا باردا بدل هذا الهواء الحار الخانق في البيت ونظرات الاتهام واللوم تلاحقني. وقفت على العتبة، فإذا بالفتاة تأتي مسرعة مع والدها: "يابا! هذا هو ليهودي الگلي گرعا!" (يا أبي، هذا هو اليهودي الذي قال لي: قرعاء). صاح والدها وقد تهدج صوته من الغضب: "ولك گواد! ولك أنت گلتلها البنتي گـرعا؟" أدركت بالغريزة أنني لو دخلت مسرعا إلى البيت لعلم بأنني المعتدي، وقفت برباطة جأش وقلت له: "لا! مو آني، هذا واحد من الگرايب (الأقرباء) سمعنا اشگال (ماذا قال) للبنت، بسطناه (ضربناه)، ورجعناه البيته!". اخرج والدها سكينا من عبه وقال لي، اسمع ولك يا خَـلـَگ (خَـلِـق) إيهودي، والله والله! لو انته گايلها گرعا جان ذبحتك هسا!". أجبته: "لا عمّي! مگلتلك إحنا ضربناه ورجعنا البيته بالعلوية". وقال والدها: "زين سويتو رجعتو الأبن الكـ..ـة لمهجومه (الى بيته الخرب) كان هسا ذبحته!"، ثم أخذ بيد ابنته "الگرعا" وهي تشك فيما قلته وتتلفت لتتأكد من صدق كلامي، فجرها والدها من ذراعها وذهب. دخلت الدار وأنا أتنفس الصعداء ولا أكاد أصدق بنجاتي. ومنذ ذلك الحين وبعد "الهرجة" التي عملتها عمتي هيلة وسليمة زوجة خالي حاييم، تابت أمي من إرسالي "للتصييف" في بيوت أقربائنا في مناطق تسكنها الأغلبية المسلمة وأرسلنا الوالد بدلها لنتعلم اللغة العبرية بعد أن حرّمت وزارة التربية والتعليم تدريس اللغة العبرية، إلي الكنس اليهودية القريبة من دارنا مثل "كنيس أبو داوود" وهو من أقربائنا وكنيس مسعودة شمطوب، وأخيرا إلى كنيس مئير طويق قرب دارنا بعد أن تمّ بناؤها.

الصفحات