أنت هنا

قراءة كتاب بغداد حبيبتي (يهود العراق – ذكريات وشجون)

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بغداد حبيبتي (يهود العراق – ذكريات وشجون)

بغداد حبيبتي (يهود العراق – ذكريات وشجون)

كتاب "بغداد حبيبتي (يهود العراق – ذكريات وشجون)"؛ كتبت هذه الذكريات بصورة عفوية اثارتها دعوة الأستاذ الشاعر عبد القادر الجنابي لاجراء مقابلة معي يكتبها الدكتور سمير الحاج المحامي، ثم انهالت الذكريات مسلسلة كلما اثارت الاحداث حلقة منها، كتبتها للحقيقة والتار

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: مكتبة كل شيء
الصفحة رقم: 5
وأدركت منذ ذلك الحين، من تجربتي الأولي الفاشلة في التجارة بأنني لا أصلح لمثل هذه المهنة التي مهر فيها يهود العراق خاصة. ثم جاء الإثبات الثاني على عدم صلاحيتي للتجارة حين قالت لي الست فاطمة في مدرسة السعدون ضاحكة، بعد أن فشلتُ في حلّ مسألة في درس الحساب عندما امتحنتني بالرياضيات: "وِلَكْ انتَ شلون يهودي؟ أشو عجبا إنت ما شاطر بالحساب؟، مو كل اليهود لازمين البنوك والحسابات مال كل الدوائر الحكومية بالعراق والسوق بيدهم وحتى الإسلام يعزلون ويّاكم يوم السبت، ووزير المالية مالتنا كان اليهودي ساسون حسقيل، هاي شلون ايهودي انت؟". صدقت الست فاطمة هذه المرة أيضا، فقد فشلت في كل صفقة تجارية عقدتها في حياتي، سوى في زواجي الأخير من فتاة فنلنديّة "خايفة رَبْها وغشيمة" مثلي. 
 
وعندما كنت أسافر في كل عطلة صيفية وفي سنوات التفرغ للأبحاث لإنجاز الكتب التي بدأت بتأليفها (سلالة مثل جدّي) التقيت ببعض الأصدقاء ممن كانوا متفوقين في الرياضيات في مدرسة شماش، ووجدت ما شاء الله، أنهم قد أصبحوا من أصحاب الملايين في إنكلترا والولايات المتحدة. ثم يسألونني فيما إذا كنت نازلا في فندق هيلتون أو غيره، فأقول لهم بل في مضافة الجامعة، فيتعجبون قائلين: "ما انت صاير دكتور وبروفيسور! وكشخة وقلابالغ، لَكَنْ أحْسَـنِـلْـنا اشتغلنا بالتجارة! فنحن ننزل في أفخر الفنادق!" وعندما يعلمون بأن عليّ أن أقدم حسابات ووصولات للجامعة ولضريبة الدخل عن كل فلس أصرفه، وخاصة أجرة المواصلات والفنادق وشراء الكتب، قالوا: إذا فألقابك فارغة "ما تْطَعّم خبز". فإذا نسيت طلب الوصولات من سائق تاكسي مثلا، وكثيرا ما أنسى، "فقد راحت عليّ!". أما أحد الأساتذة "الشطار" فقد كان يذهب إلى محطات القطار والباصات ليفتش عن بطاقات سفر مهملة فيأخذها ويضيفها إلى قائمة المصاريف لكي لا تطلب منه ضريبة الدخل إعادة بقية المنحة.
 
 بدأت العلاقات بين اليهود والمسلمين تتأزم يوما بعد يوم بعد أن أخذت أسماء مثل هتلر وموسليني والنازية والمحور والحلفاء والفتوة وكتائب الشباب، تتردد في نشرات الأخبار والصحف وفي حديث الكبار، وأخذت العلاقات الحميمة التي كانت تربطنا بجيراننا من المسلمين والمسيحيين تصاب بالبرودة والفتور ثم تتفاقم فتصبح عدائية وعنيفة أحيانًا.
 
خرجت أختي كلادس فرحة بثوب الدانتيلا الذهبي في يوم عيد رأس السنة العبرية "لتكشخ" (تفتخر) أمام جدتنا بثوبها الجديد الذهبي الزاهي، أمسكت بها "مْسِلمييّ كبيغي" (بالغة) حسدًا ومزقت ثوبها قائلة: "إي بنت السبت، اشو روحي عيدي، دنشوفج!" ورجعت باكية محمرة العينين وقد أصابها الهلع: "المسلمييّ شقتا الدغييتي (مزقت ثوبي) الجديدي!".

الصفحات