أنت هنا

قراءة كتاب لخضر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لخضر

لخضر

رواية "لخضر" للروائية الجزائرية ياسمينة صالح؛ صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت ، وهي الرواية التي وصفها الناقد الأردني "سميح الخطيب" بالمتميزة والمعقدة في آن واحد، حيث قال "الخطيب" في مقالة نشرتها صحيفة الغد الأردنية أن رواية "لخضر" بأبعادها ا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
(2)
 
ماذا جرى؟
 
قالها السكرتير بينه وبين نفسه وهو يبحث عن الملف المطلوب؟ منذ انتقل ـ قبل ثلاثة أعوام ـ ليعمل سكرتيراً خاصاً في هذا المكتب وهو يراه بنفس الوجه المكفهر، العابس والمغلق· لم يره يبتسم إلا نادراً، وعندماكان يضحك، يحسّ بخوف أكبر. كان يشعر أن في ضحكة الجنرال قدرة غريبة على الأذى· كلما ضحك، اقتنع بذلك أكثر·
 
لم يأت السكرتير للعمل في هذا المكتب عن رغبة، وحدها الصدفة من حملته إلى هنا· فأن يشتغل شاب فقير وبائس سكرتيراً في مكتب الجنرال لهو عطاء يهبه الله لشخص ما. إنها النعمة التي لا يجوز التبطر عليها كما يقول والده الذي صار يفتخر به لأنه يعمل في مكتب الجنرال! لم يكن والده سوى الساعي الذي عاش حياته بين أجنحة وزارة الدفاع حاملاً البريد من مكتب إلى آخر. كان يقول له: البسطاء والتافهون هم أكثر الناس علماً بكل ما يجري في كواليس الوزارة يا بني، ولكن أهم درس يجب أن تتعلمه هو أن تخفي لسانك داخل فمك، بحيث لا يحق لك فتحه إلا لتقول: حاضر!
 
حاضر!
 
إستراتيجية الذين اشتغلوا في الوزارة منذ الاستقلال إلى يومنا، إذ أن أول اختبار يقومون به يبدأ أساساً من اللسان· حفظ اللسان أهم من حسن السلوك ومن الوفاء والوطنية التي لا تعدو كونها شعارات يضعها أصحاب العمل لإجبار العامل على الطاعة وعلى الولاء إليهم عبر الولاء للوطن· حتى والده لم يختر لنفسه العمل في هذه الوزارة، لكنه شعر أن الله راض عنه عندما أوصلته الصدفة ليكون ساعياً قضى حياته بين المكاتب حاملاً الرسائل وفناجين القهوة من مكتب إلى آخر. لم يكن والده من النوع الذي يثرثر، لهذا بقي في عمله، واستطاع أن يثير شفقة أحد الضباط الذي وعده بتعيين ابنه سكرتيراً في إحدى الدوائر التابعة لوزارة الدفاع، وبعد سنة من تعيينه سكرتيراً استطاع أن يكسب ثقة الجميع وتعاطفهم. صار معروفا بنشاطه الكبير وأناقته الزائدة، مع أنه كان ابن ساع لا أكثر ولا أقل· إلى أن لمحه الجنرال ذات يوم، وطلبه دون مقدمات ليشتغل عنده في المكتب وكان يعرف أن الجنرال لا يشغل سكرتيرات في مكتبه، لأنه لا يثق في ألسنتهن ولا في ولائهن· كان ذلك أشبه بليلة القدر بالنسبة لوالده الذي شكر الله كثيراً أن حوّل ابنه من مجرد سكرتير مغمور إلى السكرتير الشخصي للجنرال. لكن الابن لم يكن راضيا ولا راغباً في العمل في وظيفة صنعت منه أبكماً عن واجب. كان يحلم بشيء يختلف عن كل هذا. في السابعة عشرة من العمر حلم بدخول كلية الفنون الجميلة· كان يشعر أن لديه موهبة يريد تفجيرها، ربما لأن أساتذته أطلقوا عليه مسبقا لقب الفنان، لأنه كان يرسم على الجدران ما يريده. قال له أستاذ العربية ذات يوم وهو يتأمل رسمه على جدار المدرسة: ستكون رساماً كبيراً بل وأفضل من بيكاسو نفسه! لكنه فشل في الالتحاق بمعهد الفنون الجميلة لأنه لم يكن يملك المال ليشتري مكانه في المعهد، فقد رسب في امتحان القبول، ولأن والده اعتبر الرسم قلة ذوق وغياب مسؤولية من ابنه· قال له يومها بصوت غاضب:
 
ـ بدل أن تبحث عن عمل تساعدني به على سد مصاريف البيت تريد أن تدرس الرسم؟ ما هذا العبث؟
 
و لكي لا يكون عبثيا قبل بالوظيفة التي وجدها له في الوزارة· في الشهور الأولى من العمل وجد نفسه يؤدي عملا روتينياً ومملاً أغرقه في عالم من الأوامر التي لم تكن تعنيه، لكنه كان ينفذها عن خوف أشعره من البداية أنه دخل إلى قفص لن يخرج منه. كان مجرد عامل في خلية من الموظفين الذين يركضون في كل اتجاه في سباق الوقت، لأجل جنرال أو عقيد أو عميد· قال له أبوه وقتها:

الصفحات