أنت هنا

قراءة كتاب لخضر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لخضر

لخضر

رواية "لخضر" للروائية الجزائرية ياسمينة صالح؛ صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت ، وهي الرواية التي وصفها الناقد الأردني "سميح الخطيب" بالمتميزة والمعقدة في آن واحد، حيث قال "الخطيب" في مقالة نشرتها صحيفة الغد الأردنية أن رواية "لخضر" بأبعادها ا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
(4)
 
هل يمكن لشخص أن يهرب من الجحيم؟ أن يهرب من هالة الجوع والغبن والإهانة والذل الذين تظلل بهم طوال حياته بنفس الفكرة أن الفقراء لا يمكنهم الهرب أبعد من قناعتهم الجاهزة بأن الفقر هو الطريق الوحيد إلى الجنة؟ لم يكن يعرف أن الهرب مستحيل إلى أن اشتغل في الميناء· أخذه والده إلى رئيس العمال الذي كان مستغرقاً في قراءة جريدة سرعان ما وضعها جانباً وهو يرى المقبلين نحو مكتبه:
 
- أهلا سي عثمان·
 
ـ صباح الخير سيدي الشيف! هذا ابني لخضر أحضرته معي حسب الاتفاق·
 
نظر رئيس العمال إلى لخضر نظرة مليئة بالخيبة، فقد توقع أن يرى شاباً يافعاً بالصحة، لكنه وجد شخصاً نحيفاً وشاحباً لا يصلح للعمل أساساً· فكر بينه وبين نفسه: كيف يحتمل هذا الجسم النحيف عملاً قاسياً كعمل الميناء؟ ولعل الأفكار ظهرت واضحة على وجهه إذ بادره سي عثمان بالقول بصوت مليء بالحماسة:
 
ـ إنه قوي يا سيدي، لا يخدعك جسمه النحيل·
 
و لم يقتنع رئيس العمال بما سمعه، لكنه تعاطف معه. كان يعرف أن السي عثمان يفكر في الغد· مثله مثل أي أب يرى أن عليه أن يغرس ابنه في المكان الذي سيتركه ذات يوم قريب.· كان رئيس العمال ينظر إلى الرجلين متفهماً حماسة الأب وشحوب الابن الذي بدا كأنه أمام امتحان عسير، لكنه خشي بينه وبين نفسه أن يندم إن وافق على تشغيله. قال يحاول قطع الفكرة إلى شطرين:
 
ـ طبعا مسألة التوظيف ليست بيدي وحدي، لهذا يجب اختباره شهراً وبعدها يمكنني الرد عليك بعد إيصال الطلب إلى مدير الميناء·
 
تلك الدبلوماسية الوقورة التي تعني أن مسألة الشغل ليست مضمونة، لكن بالنسبة للحضر كانت كافية لأجل أن ينفذ فكرته، ويتسلق إلى سطح باخرة ما، نحو مهرب ما. شهر من الزمن مدة كافية لتحرير دول بعينها، فما بالك بعملية هروب فردية عبر ميناء تصطف على شاطئه العديد من البواخر الأجنبية المغرية بشكلها الجاهز لأخذه بعيداً. بعيداً جدا! كان طوال الوقت الذي استغرقه في مكتب رئيس العمال، يتأمل البواخر من نافذة المكتب المفتوحة على الميناء مباشرة. كان يتأملها بعينين غارقتين في الحلم، بعضها يستعد للمغادرة وبعضها ينتظر إذنا للدخول والاصطفاف في المكان المحدد لها من قبل العمال الذين كانوا يتحركون في كل اتجاه. كان الجو في الميناء يشبه خلية نحل نشيطة ودائمة الحركة بين الذهاب والإياب·
 
ـ عموماً شهر من الزمن ستكون فرصة للخضر كي يتعرف على المكان جيداً
 
قالها رئيس العمال وهو ينهي الحديث. كان السي عثمان ممتنا لرئيس العمال استقباله اللطيف، قال يخاطب ابنه وهما يغادران المكتب:
 
ـ هل سمعت ما قاله الشيف؟ يجب أن تثبت وجودك لتبقى هنا· هذه فرصتك الأخيرة، إن ضاعت من يدك فلن أتحمل مسؤوليتك أبداً·
 
ذلك التهديد المغلف الذي تعود عليه· كان يدرك أنها فرصته الأخيرة وألا حق له في الفشل. هل يمكن لشاب في مثل سنه وأوجاعه الداخلية أن يفشل قبالة ميناء يفتح أمامه ألف باب للحلم، وألف وجهة للرحيل نحو أي مكان بعيد.؟ أضاف والده بنفس النبرة:
 
ـ عليك أن تثبت أنك رجل. هذه فرصتك الأخيرة. لا فرصة لك بعدها·

الصفحات