أنت هنا

قراءة كتاب لخضر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لخضر

لخضر

رواية "لخضر" للروائية الجزائرية ياسمينة صالح؛ صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت ، وهي الرواية التي وصفها الناقد الأردني "سميح الخطيب" بالمتميزة والمعقدة في آن واحد، حيث قال "الخطيب" في مقالة نشرتها صحيفة الغد الأردنية أن رواية "لخضر" بأبعادها ا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
ـ أنا في سن المعاش، سيتخلون عن خدماتي قريباً وأشكر الله أنني زرعتك في الوزارة!
 
كانت عبارة زرعتك تعني جميل كبير عليه أن يحمد الله عليه صباحاً ومساءً، ولم يكن ليقول أكثر من حاضر فهو يتقاضى راتباً جيداً، ناهيك عن المزايا التي يمنحها له عمله. فأن تكون لديك بطاقة عليها ختم وزارة الدفاع معناه أنك مواطن استثنائي في دولة تقدس كل ما هو مرتبط بالبذلة العسكرية والجزمة الغليظة التي يلبسها أولئك الذين يملكون الرغبة في إرهاب الآخر من باب إثبات سلطة شخصية أو رسمية· فهو يتذكر أن جارهم أرعب الحي كله لأنه التحق بوزارة الداخلية وصار شرطياً بسيطاً يلبس بذلة زرقاء كانت تثير فخر أسرته ورعب جيرانه منه. كل بذلة رسمية تخيف الناس، وكل شخص تقاس أهميته إزاء بذلته وليس إزاء شخصه، لهذا بمجرد أن تنتهي مهامه الرسمية بالمعاش أو الفصل، ينتهي وقاره، وينتهي خوف الناس منه. يتحول من شخص استثنائي إلى شخص عادي وأحياناً بائس، وعندما جاء دوره بعد عام من العمل وصارت له بذلته الخضراء الرسمية لبسها بإحساس غريب يشبه إحساس حية تغير جلدها إلى الأبد. وحدها البذلة من حولت فشله إلى نجاح كبير في أعين الناس. أصبح مخيفاً ومهمّاً·
 
عثر أخيراً على الملف المطلوب· سحبه ووجد نفسه يفتحه على عجل· انتبه إلى الصورة الملصقة بإتقان يمين الأوراق· رأى وجه شاب ووسيم· رأي عينين واثقتين، وابتسامة ساخرة وحزينة. فكر بينه وبين نفسه: ماذا سيفعل بهذا الملف؟ ثم هزّ كتفيه وهو يسرع نحو مكتب الجنرال الذي وجده واقفاً أمام النافذة، سرعان ما التفت نحو سكرتيره المرتبك في وقفته، ممسكاً بالملف· ابتسم وهو يفكر أن سكرتيره الساذج لا يعرف إخفاء أخطاءه الصغيرة· كان واضحاً من ملامحه أنه ألقى نظرة فضولية على الملف الذي وضعه أمامه بيد فضحها الارتباك· عادة لا يتسامح مع جنحة كهذه· تمنى لو كانت له القدرة على سؤاله مباشرة عما رآه في الملف.؟ ثم بنظرة سريعة منه جعلت السكرتير يغادر المكتب مسرعاً، كمن يهرب من ورطة كبيرة! عاد الجنرال للجلوس خلف مكتبه. فتح الملف على نفس الصورة التي رآها سكرتيره قبل قليل. صورة شعر بالدهشة قبالتها· صورة مدهشة حد الوجع· كم من الماء مر تحت الجسر منذ خمس وعشرين عاماً؟ وكم يبدو واثقاًو وسيماً! قالها في نفسه· لكن تلك السخرية التي لفتت انتباهه جعلته يتململ فوق كرسيه كمن لسعته حية· سخرية موجعة لأنها مباشرة، يكاد يتلمسها بيديه· مع أنه لا يعرفه، إلا أنه شعر أن تلك الابتسامة في الصورة تسخر منه هو بالذات· شعر أن العينان تسخران منه أيضاً، ولسبب ما أحسّ بشيء يقرص قلبه من الداخل. فكر من جديد:
 
ـ كم يبدو واثقاً ووسيماً.· ووقحاً!
 
ظل ينظر إلى الصورة، مدققاً في كل تقاطعاتها كمن يبحث عن شيء ما· تماماً كما فعل أمس. لكن أمس لم يطلب هذا الملف بالتحديد، بل طلب مجموعة من الملفت أراد الإطلاع عليها كما يفعل عندما يرغب في تصفح تفاصيل المنتسبين الجدد إلى الوزارة، وجد نفسه فجأة أمام هذا الملف الذي أصابه بالصدمة، ثم الذهول، وظل ينظر إلى الصورة التي لم يقدر على تصفح غيرها. صورة شخص لا يعرفه. لم يره. لم يلتق به من قبل. أليس هذا جنوناً؟ من عادته ألا يتوقف أمام صورة أكثر من دقيقتين كافيتين ليدرسها دراسة شاملة· أغمض عينيه ثم فتحهما. شعر وقتها أن شيئا ما حدث في داخله. شيء غريب وخطير·
 
تساءل: هل يمكن لصورة أن تغير في شخص؟ هو الذي لم تهزّه المعارك ولم تغيّره الهزائم القديمة والدسائس التي كانت تحاك ضده في الظلام· كان يزداد قوة كلما زادت الحروب الخفية، الباردة أو الساخنة. كان يزداد جبروتاً أمام كل حرب يكسبها وعدو يهزمه. مع ذلك، مع كل ذلك...هزمته صورة!

الصفحات