أنت هنا

قراءة كتاب لخضر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لخضر

لخضر

رواية "لخضر" للروائية الجزائرية ياسمينة صالح؛ صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت ، وهي الرواية التي وصفها الناقد الأردني "سميح الخطيب" بالمتميزة والمعقدة في آن واحد، حيث قال "الخطيب" في مقالة نشرتها صحيفة الغد الأردنية أن رواية "لخضر" بأبعادها ا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6
ـ لماذا تتجمع النسوة في بيتنا؟
 
قالت الجارة بصوت غارق في الهدوء:
 
ـ يا لخضر يا ابني، أمك المريضة، ارتاحت الآن·
 
ـ هل أحضر لها أبي الدواء؟
 
ـ بل أخذها الله إليه· لأنه يحبها· الله يأخذ من يحبهم يا بني!
 
بعد ساعات من الانتظار، فهم أن أمه ماتت. أخذها الله إليه ليريحها من مرضها وأنينها الليلي.· ماتت كما لو أنها تعاقبه على أشياء لم تكن له يد فيها وهو في تلك السن الصغيرة والغضة. شعر وقتها أنه أصبح يتيماً كأشد ما يكون اليتم جرحاً. لم يحاول والده أن يغطي غيابها، فلم يكن له الوقت ولا الرغبة في أن يغطي غياب أمّ مريضة ومنهكة، لهذ فكر في المستقبل كما يفكر رجل في مثل وضعه، وحاجته إلى امرأة أخرى تعتني به وبطفليه. لم يسأله عن رأيه عندما سافر إلى قرية أقاربه البعيدة، وعاد بعد أسبوع حاملاً معه امرأة قال له أمامها:
 
ـ هذه أمك الجديدة !
 
لم يعلق. ظل صامتاً، حتى وهو يرى أمه الجديدة تسيء معاملة أخته الرضيعة وتنهرها حين تبكي، وتشتكي منها لوالده الذي لم يكن يعلق كثيراً سوى بنفس العبارة ذاتها:
 
ـ احتمليها ولك الأجر عند الله!
 
و لم تكن لتحتمل أحداً، ولا حتى والده حين تدخل معه في شجار ينتهي بخروجه من البيت غاضباً، ليعود في آخر الليل بمزاج سيء، منتظرا أية ردة فعل من ابنه ليهجم عليه بالضرب ويفرغ ما في جوفه من غضب ومن استياء· اكتشف لخضر أن الضرب المبرح هو الطريقة الوحيدة التي تخفف من غيظ والده وترضي زوجته التي تهدأ بعدها لأيام طويلة· كان جسمه الصغير ساحة للمعارك التي تنفجر بين أبيه وزوجته، ولم يكن يعرف كيف يعترض ولا كيف يقاوم· مع هذا كان يصدق أن والده لا يكرهه، وأن ما يفعله ليس أكثر من ردة فعل إزاء وضعه· ربما لهذا لم يعد يشعر بالألم من الضرب· كان يشعر بالألم مما يخلفه الضرب من ضغينة صامتة كبرت بينه وبين أبيه وعتاب ظلّ ينخر العظام. مسؤوليات والده ازدادت مع مرور الوقت، بعد أن أنجبت زوجته ثلاثة أبناء احتلوا مكانه وفرشته ووجوده في البيت. شيئا فشيئاً سكنته المسافة إزاء إخوته الذين حرصت أمهم على إبعادهم عنه، وكان يبتعد عنهم برغبة في الابتعاد· فقط أخته الصغيرة من ارتبطت معه بذلك الشعور المبهم والإحساس المشترك باليتم. أخته التي أصيبت بالحمى فجأة، وظلّ الجميع يتفرج عليها. كان في السابعة عشر، عندما خسر أخته أيضا. يتذكر جسمها الصغير والنحيف وإحساسه بالعجز أمامها· شعر لخضر أن عليه أن يطلب من أبيه أخذها إلى الطبيب· قال له بصوت مليء بالرجاء:
 
ـ لا يجب أن نتركها تموت·
 
لم يجد والده سريراً شاغراً لها في المستوصف القريب، ولا في المستشفى الذي رفض حالتها لعدم خطورتهاً! كانت عبارة عدم خطورة الحالة تعني بالأخص: عدم أهمية المريض! ذلك أن عبارة عدم خطورة المرض معناه الرفض المباشر لأولئك الذين يمرضون على حساب الدولة، فتصبح الدولة مجبرة على الاعتناء بهم بصيغة التأجيل الذي يصبح مع الوقت إهمالاً متعمداً، لكي يموت كل البؤساء تلك الميتة التي لا تحسسهم أنهم يخسرون الحياة لأنه لم يكن لهم الحق فيها أساساً· ظلت أخته الصغيرة تصارع الحمى طوال أسبوع إلى أن استسلمت لها. توقفت أنفاسها وتوقف جسمها عن الارتجاف. كان لخضر يريد أن يكون حاضراً في تلك اللحظة الأخيرة، حين أمسك يدها بقوة وظل يضغط عليها إلى أن تسربت برودة قاسية إلى جسمه. فهم أنها النهاية. انقطعت أنفاسها أمام عينيه، ووجد نفسه يصرخ بقوة ليوقظ من في البيت· نهره أبوه ليكف عن الصراخ، وقبل أن يستوعب الجميع ما يجري، كان جسم أخته يزداد هدوءا وبرودة، وانغماساً في ذلك الصمت القريب من النهاية·

الصفحات