أنت هنا

قراءة كتاب لخضر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لخضر

لخضر

رواية "لخضر" للروائية الجزائرية ياسمينة صالح؛ صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت ، وهي الرواية التي وصفها الناقد الأردني "سميح الخطيب" بالمتميزة والمعقدة في آن واحد، حيث قال "الخطيب" في مقالة نشرتها صحيفة الغد الأردنية أن رواية "لخضر" بأبعادها ا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
فكر أن أخته ذهبت إلى الله لأن الله يأخذ من يحبهم. فكر أنها لن تجوع ولن تبرد ولن تمرض بعد الآن! تساءل يومها وهو يضغط على أسنانه كي لا تغلبه صرخة محبوسة في حلقه: ماذا يشكل موت طفلة في السابعة من العمر لأب فقير وأسرة جائعة؟ ألا يعني الخلاص للبعض وراحة للبعض الآخر؟ اكتشف أن موت أخته لم يكن أكثر من صفحة قلبها الجميع بمن فيهم والده الذي عاد بعد الدفن، ليستلقي في فرشته وينام نوماً عميقاً· هل كان سيشعر أن ثمة شيء يعنيه في هذه الحياة حقا؟ لا شيء، ولا حتى العمر الذي قبالته ظل يشعر أنه فاشل، قبل أن يصرخها فيه والده بذات الصوت المليء بالغضب والضغينة:
 
ـ أنت تتسكع في الشوارع منتظراً مني أن أصرف عليك وأنت بهذا الطول المخجل؟ ليتك تخجل من نفسك ولو مرة واحدة في حياتك!
 
كان خجلاً من نفسه فعلا· يعرف أنه لم تعد ثمة مساحة لشيء غير الخجل والخجل الأكيد، ربما لأنه يشعر أنه لم يعد معنيا بشيء· كان حيادياً أمام كلام لم يكن يعنيه مباشرة رغم أنه يخجله·
 
ـ لو في عروقك دم لشعرت بالشفقة على أبيك وهو يكدح طوال اليوم في الميناء حاملاً الأكياس على ظهره كالحمير لأجل إطعامك وإطعام إخوانك. لكن ماذا أقول. فعلا أنت لا تخجل من نفسك·
 
كان والده حمالاً في الميناء منذ جاء إلى العاصمة بحثاً عن لقمة العيش هاربا من قرية أكلها الفقر.فأن يعثر على عمل بعد أشهر من وصوله أمر حسده عليه كل الذين جاءوا في نفس القطار معه، لهذا شعر أن العمل قيمة يجب الدفاع عنها مهما كان نوعها، كان يرى في بطالة ابنه شيئاً مثيرا للتقزز والغثيان· لقد تحول في نظره إلى عالة يجب التخلص منها في أقرب وقت· قالت زوجة أبيه بصوت ضجر:
 
ـ يجب أن تجد حلاً لابنك، لا يمكن أن يكون عالة على البيت بهذا الشكل!
 
ـ لكن الشغل غير متاح· أنا أعرف ظروف البلاد أكثر منك· الشغل غير متاح، لو شفت عدد الشباب في سنه وهم يتسكعون في الشوارع بلا عمل!
 
ـ لا يهمني. إما أن يشتغل أو يرحل.
 
ـ أفكر في تشغيله في الميناء معي. لقد غيروا رئيس العمال وأحضروا شخصاً جديداً، قد أفلح في إقناعه ليجد له مكاناً معي· سأكلمه صباحاً ونرى·!
 
لم يكن هذا الحوار جديداً ولا مفاجئاً، لكن الجديد أن يعمل في الميناء حمالاً كأبيه· في الحقيقة لم يتخيل نفسه حمالاً، ربما لأنه لم يفكر في العمل أساساً. كانت ثمة فكرة تسيطر عليه بإلحاح، سمعها من بعض الشباب الذي يجالسهم أحيانا قليلة في الحي، يتكلمون عنها بنفس الصوت والإصرار: الهجرة من البلد! منذ أيام والفكرة تدور في رأسه· لم تكن الهجرة مجرد رحلة إلى بلد ما، بل كانت تعني هرباً حقيقياً يمارسه الشباب حين يقررون التسلق على متن السفن الراحلة إلى دول أخرى، دون التفكير في اسم الدولة التي عليهم الذهاب إليها· كان بعضهم يرمي بنفسه في البحر تاركاً للمد حرية اختيار وجهة أقداره، إما الشمال وإما الغرق· يتحدثون عن الهجرة بعبارة: الهرب.إذ أن التسلل إلى باخرة ما يبقى أقصى حالات النجاح في فكرة الهرب· سمع عن حالات هرب ناجحة، وأخرى فاشلة أعيد مرتكبوهاً بتهمة الخروج من البلاد بلا إذن رسمي! مع ذلك كان الهرب حلماً كبيراً راوده كثيراً·

الصفحات