أنت هنا

قراءة كتاب الانتماء الحضاري والهوية الثقافية في ضوء عروبة القرآن الإسلام العربي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الانتماء الحضاري والهوية الثقافية في ضوء عروبة القرآن الإسلام العربي

الانتماء الحضاري والهوية الثقافية في ضوء عروبة القرآن الإسلام العربي

الانتماء الحضاري والهوية الثقافية في ضوء عروبة القرآن - الإسلام العربي .. معالم في طريق الوحدة والتعايش والاعتدال لتدبّر القرآن وفهمه بلسانٍ عربيٍ مبي  
تأليف: علاء الدين المدرس (أو علاء الدين شمس الدين)
الناشر: دار الرقيم - العراق (2008)

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 8
لقد شاع بين الناس – أيضاً - منذ القدم، مصطلحات عديدة متصلة أو مضافة إلى لفظة (عربي)، كالحصان العربي والطب العربي والصمغ العربي والشعر العربي، وقد أضاف القرآن إليها، الحكم العربي واللسان العربي والقرآن العربي.. فما هو المقصود من إضافة تلك المعاني والمفاهيم والذوات والمخلوقات إلى لفظ (العربي) للتعريف بها؟.. وهي صيغة تعريفية لتلك الكلمات واضحة التكريم والتفخيم والنقاء والأصالة، حتى بدون العودة إلى المعاجم والمراجع اللغوية، التي أشارت إلى تلك المعاني في ثنايا صفحاتها؟..
 
وغني عن التعريف، إنما أريد بالحصان العربي، أنه الحصان الأصيل الذي يتميز عن غيره بكل الصفات الفريدة والجميلة والأصيلة، بينما يراد باللسان العربي هو، اللسان الفصيح المبين الدقيق المعنى، المبرّأ من العوج والعجمة واللكنة. أما الشعر العربي فهو الشعر العمودي الموزون والمقفّى، الساحر في بيانه وفي استعراضه لمعاني الكلام، والمتصف بالحكمة في مختلف الأغراض والمباني والمعاني التي تزخر بها العربية. أما الصمغ العربي الموجود في أواسط أفريقيا وليس في أرض العرب، فهو الصمغ الطبيعي الأصيل وليس صناعياً.
 
وقد اشتهر بين الناس الطب العربي هو الطب الطبيعي والعشبي المجرّب الحكيم، الخالي من المواد الكيماوية التي يصنعها الإنسان والمنزّه عن أثارها الجانبية والمسرطنة، وهو خلاصة الحكمة الطبية البديلة، عما ابتدعه الإنسان، والتي ورثها ابن آدم، من تعاليم الوحي التي نزلت على الأنبياء. ويدخل في مفهوم الطب العربي كل أنواع الطب الطبيعي والعشبي والبديل، سواءاً أكان طباً صينياً أم هندياً أم غربياً أم شرقياً، ولا يقتصر فقط على طب العرب في المنطقة العربية - كما قد يتصور البعض - ولعل الطب النبوي، الذي شاع بين المسلمين، هو جوهر الطب العربي وأساسه، إذا ما توفرت فيه شروط الصحة والنسبة إلى النبي الكريم ، وكذلك كل طب الأنبياء الكرام إذا ما توفر شرط صحة نسبتها إليهم، فهو طب مصدره رباني، لا يخضع لعبث الإنسان واجتهاده الوضعي، بل يقوم أساساً على قواعد الربانية والعودة للطبيعة والاستعانة بمبادئ العلم والتسخير والإباحة، والتوائم البيئي والطبيعي، وليس الصراع والتغيير والتلاعب في أصول الخلق والتعسّف في استغلال منافذ الهندسة الوراثية والجينية التي يمارسها العقل المادي المعاصر. كما أن الطب العربي يشمل كافة النواحي الجسمية والنفسية والروحية والبيئية، وليست الجسمية فحسب، كما في الطب التقليدي الشائع بيننا الآن.
 
إن أصول هذا الطب الرباني تعود - شأن كل أمر عربي رباني - إلى مرجعيات ثلاث، هي الفطرة والطبيعة والقرآن. ولعل العلم المادي الحديث، يمكن أن يسخّر لترصين الطب العربي وتحقيق أهدافه الصحية وتحقيق غاياته وآماله كما يريدها رب العالمين، من خلال البحوث والدراسات والتجارب العلمية ومنهجيات الفحص التجريبي المختبري، وهذا ما حصل بالفعل في العديد من البلدان مؤخراً.
 
ولا تكلّف في الاستدلال والاستنتاج، بأن معنى (قراناً عربياً)، هو أنه (قرانٌ ربانيٌّ) نزل به الروح الأمين، على قلب النبي الكريم  ليكون رحمة وهدى للعالمين. كما أن (حكماً عربياً) لا يمكن فهمها إلا على أساس، إن القرآن هو حكم الله، وهو حكمٌ ربانيٌّ تنزّل، ليحكم حياة الناس بما يحويه من شريعة وحكمة وتعاليم وقصص وعبر وأحداث من لدن رب العالمين.
 
ولعل الوقوف على لفظة (عرب) وتأمل حروفها المضيئة، فيه دلالة عميقة لتلك الصلة الوثيقة بين لفظة (عرب) ولفظة (رب).. وكأن الله سبحانه يريد أن ينبّه الإنسان، من خلال دلالة الكلمة ودلالة الحروف القرآنية المقدسة، أن يتّكل على الرب الخالق العظيم، وهو يسير في هذه الأرض، منذ عهد آدم أبي البشر والى اليوم، لكي يكون الخليفة الحق، تماما كما أراد الله في علمه المحيط وقدره الأكيد، رغم اعتراض إبليس على تلك المشيئة الربانية، وذلك الدور المشرّف لبني آدم، وخلافتهم للأرض واستعمارها، وفق المنهج الرباني، الذي أنزله وحياً على أنبيائه، عبر المسيرة المباركة، فكانت حضارة الإيمان الرشيدة وجهاً لوجه وعلى الضد من حضارة الشيطان المادية المتغطرسة والظالمة، الحضارة الطاغوتية بقيادة إبليس وجنوده ،تحارب منهج الله رب العالمين، وتعاليمه الحنيفية السمحة بقيادة الأنبياء والمرسلين، عبر القرون والأحقاب والسنين. وكانت عروبة الحضارة وعربية اللسان والهوية والعقيدة والثقافة، التي أشار إليها الحديث الشريف، وكان الحكم العربي الذي نزل به القرآن العربي، والذي مثّل النسخة الربانية الصافية، والوحي الصادق الخالي من التحريف والتزييف، ليمثّل حكم ألأنبياء والمرسلين، كما أنزله الله رب العالمين، إلى البشرية منذ فجر التاريخ وحتى الرسالة الخاتمة. انه الحكم الرباني العربي المبين، أي إن كل ما جاء فيه مأخوذ من الرب سبحانه وتعالى، وكل متّبع له سيكون حتماً، عبداً لله معتمداً على رب العالمين، في كل صغيرة وكبيرة في حياته الفانية، متخذاً منها منهجاً هادياً وجسراً رحباً إلى الحياة الباقية، ليكون في روحه وقلبه وعقله، عربي الهوية والانتماء، منسجماً مع الكون المنظور فيما حوله من عوالم وثقافات وشعوب وقوميات وأمم سواء في عالم الجماد أم الحيوان أم النبات، ومع الكون المقروء والكتاب المسطور، القرآن العربي الرباني الصافي الأصيل، ليعيش في سلام وطمأنينة وتفاعل ونشاط ايجابي. وهو يستشعر دوره الحق ببركة ربه وخالقه، وبمرجعية كتابه وهدي نبيه، وليكن بعدها ما يكون، من ناحية الجنس والعرق والقومية والمذهب واللون والمكان والزمان، ما دام انتمائه وهويته الحقيقية تقرّ بأنه تبعاً لثقافة الإيمان قلباً وقالباً. يعيش في ظل منهج الرحمن، يتأمل الكون المخلوق المتناسق الجميل، ويعبد الله ربه بعربية القرآن، متخذاً من ثقافة الشيطان، ومن في حزبه من الأعوان والأتباع، عدواً لدوداً، وانحرافاً شائناً، ينبغي البعد عنه، والنأي عن طريقه بكل جوارحه، لكل ذي عقل وصاحب جنان، وهكذا يتم التمايز بين كتيبة الرحمن في كل عصر وزمان وبين حزب الشيطان. قال تعالى: إن الشيطان لكم عدوٌ فاتخذوه عدواً .
 
وهكذا يصبح المعنى واضحاً، لمدلول كلمة (عرب) في مفهوم القرآن، يمكننا العيش في ظلاله وفي رحاب مراميه، كما يتجلى أيضاً المفهوم العكسي لمدلول كلمة (عجم) تماماً بتمام. فهل للعجمة في حقيقتها معنىً، إلا الغموض والإبهام والجهل والوضع والخرافة، وهل لمدلول (جم) معنىً غير الإحالة إلى الكثرة والجمع من الناس، وكل من يتّكل على المخلوق.
 
فالقرآن عربيٌ وليس أعجمياً، كما تصرح نصوصه الكريمة، وليس لذلك المعنى المتقابل صلة بجنس أو عرق أو قومية، سوى ثقافة الجهل والغموض والإبهام والانحراف التي يصنعها الإنسان. وصنعها بأشكالها العديدة بإرشاد وتوجيه من الشيطان. الذي علم الإنسان الشر والظلم والطغيان، وترك البشر عبر الدهور في ظلمات يعمهون.
 
ولتأكيد المعنى الدلالي للفظة (عرب) و (عروبة) يمكن أن نستأنس ببعض ما جاء في معاجم اللغة حول الموضوع، كما سنرى في الصفحات التالية، لكي نحيط به من جميع جوانبه، ففي الأثر عن النبي  أنه قال: إن الله لا يتم هذا الأمر إلا إذا أحيط به من جميع جوانبه .

الصفحات