أنت هنا

قراءة كتاب بين يهوه وأيوب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بين يهوه وأيوب

بين يهوه وأيوب

يحتل كتاب "بين يهوه وأيوب" مكانة نادرة بين أعمال يونغ، فهو أكثر ما كتب يونغ عاطفية وجدلية في آنٍ معاً. ودونما ادعاءٍ بتصريحاتٍ علمية متزمتة، هو كتاب يتضمن التأملات الأكثر عمقاً، والناجمة عن شعورٍ مكثفٍ بالالتزام الداخلي.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
مقدمة
 
وضعني الاقتراح القائل بأن أتحدث إليكم كيف ظهر كتاب (بين أيوب ويهوه) إلى النور أمام مهمة بالغة الصعوبة، إذ لا يمكن الحديث عن تاريخ هذا الكتاب ببضع كلمات، فمشكلته الأساسية شغلتني لسنواتٍ مديدة، وغذّت مصادر عديدة فيض الأفكار فيه. إلى أن جاء ذاك اليوم، وذلك بعد تأمّل طويل، حيث نضجت فيه الأفكار، وجاء وقت سكبها بكلماتٍ مكتوبة.
 
يمكن إيجاد السبب الأكثر مباشرة لكتابتي هذا المؤلَّف متضمناً في مشكلات معيّنة تناولها كتابي Aion، بخاصة تلك المتصلة بالمسيح كشخصية رمزية وبالعداوة المسيحية ـ والمسيحية المضادة، والمتمثلة بالرمزية الفلكية التقليدية للسمكتين.
 
وفيما يتعلق بالنقاش حول هاتين القضيتين وعقيدة خلاص البشرية، فقد انتقدتُ فكرة "غياب الخير" كوني لا أتفق مع نتائج البحث السيكولوجية. فالتجربة السيكولوجية تُظهر أن ما نطلق عليه اسم "الخير" هو مساوٍ تماماً لـ "الشر" أو"الإثم". وإن لم يكن "الشر" قائماً فلا بد أن يكون الموجود هو "الخير". وبشكل دوغمائي، فلا "الخير" أو "الشر" يأتيان من الإنسان، نظراً لوجود "الشرير" بزمن طويل قبل وجود الإنسان على أنه أحد "أبناء الله".
 
بدأت فكرة "غياب الخير" بلعب دورها في الكنيسة فقط بعد ماني(4) Mani، وقبل هذه البدعة كان البابا "كليمنت الأول" يلقّن في تعاليمه أن الله يحكم العالم بيمناه ويسراه، ويمناه هي المسيح بذاته، أما يسراه فهي الشيطان. من الجليّ أن فكرة كليمنت توحيدية بما أنها توحد ما بين الأضاد بإله واحد.
 
في حين أن المسيحية في المراحل اللاحقة أصبحت ثنائية، كونها قسمت النصف الأول من النقيضين، وجسدته بالشيطان الأبديٌ بحالته الملعونة. يشكّل السؤال الأساسي عن ماهيّة مصدر الشر لحظةَ الانفصال في النظرية المسيحية حول خلاص البشرية، وهي بذلك ذات أهمية كبرى. فإذا كانت المسيحية تدعي بأنها توحيدية، فسوف يصبح من غير الممكن تفادي افتراض أن كينونة النقيضين تجتمع في الله. لكن في هذه الحالة سوف تواجهنا مشكلات دينية أساسية مثل مشكلة أيوب. يهدف كتابي هذا للإشارة إلى التطور التاريخي منذ زمن أيوب على مر القرون وصولاً إلى الظواهر الرمزية الأكثر حداثة، مثل انتقال العذراء، إلخ..
 
علاوة على ذلك، فإن دراسة الفلسفة الطبيعية في القرون الوسطى، وهي الأكثر أهمية بالنسبة للسيكولوجي، قد جعلتني أحاول إيجاد إجابة على السؤال: "كيف كانت الصورة التي رأى بها أولئك الفلاسفة الإله؟" أو بمعنى آخر: "كيف يجب أن تُفهم الرموز التي أُلحقت بصورة الإله؟" كل هذا دلّ على توليفة الأضداد، وبالتالي أعاد قصة أيوب إلى ذهني: كان أيوب يتوقع من الإله أن يساعده ضد الإله. هذه هي الحقيقة الأكثر غرابة والتي تفترض مسبقاً فكرة مشابهة عن التناقض لدى الإله.
 
ومن جهة أخرى، استدعت أسئلة لا حصر لها، ولم تتأتَ فقط من مرضاي بل من العالم بأسره، قضية إعطاء إجابة أكثر اكتمالاً ووضوحاً مما قمت بطرحه في كتابي Aion. لقد ترددتُ لسنواتٍ عديدة في القيام بهذا، لأني كنتُ مدركاً تماماً للتبعات المحتملة، وعرفتُ حجم العاصفة التي سأثيرها هنا. لكن ضرورة وصعوبة المشكلة كانت قد قبضت علي، ولم أكن قادراً على التخلص منها. وهكذا فقد وجدتُ نفسي مضطراً للتعامل مع المشكلة بأسرها، مدفوعاً بمشاعر ذاتية. وقد اخترت هذه الصيغة عن عمد، إذ كنتُ راغباً بتجنب إعطاء الانطباع بأن فكرتي هنا هي الإعلان عن "حقيقة أبدية". لا يدّعي هذا الكتاب أنه أي شيء آخر سوى صوت أو سؤال من فرد يأمل أو يتوقع أن يجد الاهتمام من العامة.

الصفحات