أنت هنا

قراءة كتاب بين يهوه وأيوب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بين يهوه وأيوب

بين يهوه وأيوب

يحتل كتاب "بين يهوه وأيوب" مكانة نادرة بين أعمال يونغ، فهو أكثر ما كتب يونغ عاطفية وجدلية في آنٍ معاً. ودونما ادعاءٍ بتصريحاتٍ علمية متزمتة، هو كتاب يتضمن التأملات الأكثر عمقاً، والناجمة عن شعورٍ مكثفٍ بالالتزام الداخلي.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6
سفر أيوب
 
إن سفر أيوب هو من العلامات الفارقة في التطور التاريخي للدراما الإلهية. ففي وقت كانت تتم فيه كتابة هذا السفر، كان ثمة الكثير من الشهادات التي تدل على تناقضات صورة "يهوه"؛ وهي صورة إله لم يكن يعرف الاعتدال في انفعالاته، ولطالما عانى تحديداً من افتقاره لهذا الاعتدال. هذا الإله ذاته هو من اعترف بأن الحنق والغيرة كانا يأكلانه أكلاً، وكان إدراكه لهذه الحقيقة يؤلمه للغاية. لقد جمع هذا الإله ما بين نفاذ البصيرة والغباء، وما بين الرحمة والقسوة، وما بين القوى الخلاقة والقوى المدمرة. كان كل شيء موجوداً فيه، وما كانت واحدة من تلك الصفات عقبة في وجه الصفة الأخرى. ولا يمكن استيعاب مثل هذه الحالة، إلا عندما لا يوجد لدى متلقيها وعياً متفكّراً بالمطلق، أوعندما تكون قدرته على التفكّر واهية، أو أنها ظاهرة طارئة. وهذه حال لا يسعنا إلا أن نصفها بأنها غير أخلاقية.
 
لقد عرفنا كيف كان شعور أقوام "العهد القديم" حيال إلهها من خلال شهادة "الكتاب المقدس"، وهو ما لستُ بصدده هنا، بل بصدد الطريقة التي يمكن بها لإنسانٍ معاصر، ذي ثقافة مسيحية، أن يتآلف مع الظلمة الإلهية التي يتكشّف عنها سفر أيوب، وتأثيرها عليه. سوف لن أقدم هنا تفسيراً ملطفاً وحذراً ومنصفاً لكل تفصيل، إنما سأقدم فقط رد فعل ذاتي عفوي. وبأسلوبي هذا، أتمنى أن أكون قد عبّرت عن حال الكثيرين ممن تنتابهم ذات المشاعر التي تنتابني، وأن أكون قد عبّرت عن المشاعر الممزقة التي ينتجها لدينا المشهد الصريح للقساوة والوحشية الإلهيتين. وحتى إذا عرفنا، بمحض المصادفة، معاناة وتناقضات الإله، فإن معرفتنا غير واعية، ما يعني أنها غير مؤثرة أخلاقياً، وبالتالي فإنها لا تستثير التعاطف أو الفهم الإنساني. بل عوضاً عن ذلك فإنها تستثير فينا، بقدرٍ مساوٍ، بركاناً شعورياً مَرَضياً، واستياءاً متأججاً يمكن مقارنته بجرحٍ يندمل ببطء. وكما لو أن هناك رابطاً خفياً بين الجرح والسلاح، كذلك يتوازى ذلك الشعور مع الفعل العنيف الذي أججه.
 
يصلح سفر أيوب ليكون نموذجاً على اختبار معين من الإله، وذي أهمية خاصة في يومنا الحاضر، كما قد يتعرض الإنسان لمثل هذه التجارب سواء من داخله أو من محيطه الخارجي. ومن غير المجدي تأويل هذه التجارب بشكل عقلاني، وبالتالي إضعافها بإلقاء التعاويذ. وهكذا فإنه من الأفضل، وإلى حدٍ بعيد، الاعتراف بذلك الشعور والخضوع إلى عنفه، على محاولة الهروب منه باستخدام كافة الحيل العقلانية والأحكام العاطفية. وعلى الرغم من أن الإنسان الذي يفسح المجال لذلك الشعور بالنيل منه، يقلّد كافة الصفات السيئة لفعل الحنق الذي استفز ذلك الشعور، وبالتالي يجعل من الشخص مذنباً بنفس الإثم. وهذه هي النقطة الأساسية لآلية السلوك بأسرها: إن فعل العنف يهدف إلى التغلغل في حياة الإنسان، وبالمقابل على الإنسان الخضوع لسلوك العنف. كذلك يجب على الإنسان التأثر بالعنف، وإلا فلن يصيبه أثره الكلي. لكن، يجب على الإنسان أن يعرف ما الذي أثّر به، أو أن يتعلم كيف يعرف ذلك. فبهذه الطريقة يحوّل الإنسان عمى العنف من جهة، وأثره فيه من جهة ثانية، إلى معرفة.
 
ولهذا السبب، سوف أعبّر فيما يلي عن شعوري دونما خوف، بل وبشراسة. وسوف أجابه الظلم بالظلم، لعلّي أعرف ما هي جراح أيوب، وماذا كانت الغاية منها، وما هي العواقب التي عادت بها على "يهوه" وعلى الإنسان.

الصفحات