أنت هنا

قراءة كتاب حامل لواء التاريخ في الأندلس - ابن حيان القرطبي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حامل لواء التاريخ في الأندلس - ابن حيان القرطبي

حامل لواء التاريخ في الأندلس - ابن حيان القرطبي

كتاب " حامل لواء التاريخ في الأندلس - ابن حيان القرطبي " ، تأليف د. أنور زناتي ، والذي صدر عن دار زهران ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 8

ملامح عصر ابن حَيَّان

عاش ابن حَيَّان القرطبي في الفترة ما بين ( 377 – 469 هـ / 987 – 1076 م ) ، وهي فترة عامرة بالأحداث السياسية حيث شهدت سيطرة الدولة العامرية ، ثم عصر الفتنة ، وسقوط الخلافة الأُمَوية ، وقيام دول الطوائف ، وتفاقم الخطر النصراني ، وتعاظم دور اليهود ، واندلاعالنزاعات العرقية والطائفية(5) وجميعها أحداث أثرت بلا شك في خبرته التاريخية وتركت أثاراً واضحة في ثنايا أعماله ؛ حيث رصد وبدقة مرحلة الفتن والاضطرابات المتتالية في الأندلس فصور الوضع العام بأن الرعية " عدموا الراعي العَنُوف منذ حِقَب ، فنبذوا السلاح وكلِفوا بالتّرْقيح"(6) ، ونافسوا في النّشَبِ ، وعطَّلوا الجهاد ، وقعدوا فوق الآرائك مقعد الجبابرة "(7) ، وتولى الأمر " جماعة من الأغمار، كانوا عصابةً يحل بها الفَتاءُ(8)، ويذهب بها العُجْبُ" (9) .

وكان الوضع في الأندلس في تلك الفترة قد تغير تغيراً جذرياً ؛ فبعدما كانت الخلافة تجمع بين السلطتين الزمنية والروحية ، جاء الحاجب(10) المنصور ابن أبي عامر ( 370-392هـ / 980 – 1001 م ) (11)، وأبناؤه من بعده(12) فانتزعوا منها السلطة الزمنية (13)، وكانت وفاة عبد الملك (المُظَفَّر) (14)ابن المنصور العامري فاتحة لفترة مضطربة من تاريخ الأندلس (15) بدأت بعبد الرحمن (شنجول) (16)الذي " ساء تصرفه وأنفق الأموال في غير وجهها ، ونُسِب إليه أباطيل القول والفعل ، واستعان بالعسكر للتحرر من نفوذ العامة(17)، وانتهى الأمر بقتله(18) ؛ ففتح على الأندلس باباً لم يُسَد إلا بانهيار الدولة كلها ، وكان ذلك إيذاناً ببداية نهاية دولة الإسلام في الأندلس .

كانت تلك الأزمة " جديرة بأن تشحذ العقول الذكية ، وتنتج مفكرين مخلصين يصطبغ تفكيرهم بالمرارة ويحاولون البحث عن علة ذلك الداء الذي أوتى منه بلدهم ومحاولة تكوين مشروع سياسي اقتصادي اجتماعي"(19) ، ومن هنا ظهر هذا الجيل من أبناء قُرْطُبَة من أمثال ابن حَيَّان وابن حَزْم ، وابن شُهَيْد(20) ممن حاول كل منهم في ميدان علمه تقصى الحقيقة والبحث عن علاج لمحنة بلدهم (21) ، ولذا نلمح في كتابات ابن حَيَّان التاريخية شيوع روح النقد

لديه ؛ فنراه يعبر عن رأيه وبوضوح ؛ ففي أيام دولة الخليفة

" سليمان المستعين " (22)، وبداية " الفتنة البربرية " يذكر أنها كانت : " شِداداً نَكِدات صعاباً مَشئومات ، كريهات المبدأ والفاتحة ، قبيحة المُنْتَهَى ،

والخاتمة ... "(23).

ويشير ابن حَيَّان في نصوصه إلى النهب الذي حدث بقُرْطُبَة ، واجتياح التدمير بلا حساب أحياءها ، وهو ما كان له أبلغ الأثر في تكوين فكره

السياسي ، وانعكس ذلك على كتاباته التي اتسمت بالحدة والحزن فقد كان يعتقد بأن الأندلس ينبغي أن تحتل مكان الصدارة في العالم الإسلامي ، وتشيع هذه الروح في كل كتاباته (24) .

وقد زاد من اضطراب الأوضاع في الأندلس - لاسيما قُرْطُبَة - اقتحام البَرْبَر(25) لها (26) ، ونَشْر الدمار بها ، ودفعت قُرْطُبَة ثمن مقاومتها أنهاراً من الدماء ، وقتل الكثير من أهلها(27) ، ودخلت البلاد بعدها في سلسلة من الأحداث(28) واضطربت الأوضاع ، واستمرت النزاعات التي شارك فيها البربر والصقالبة(29) وأهل قُرْطُبَة أنفسهم ، الأمر الذي جعل ابن حَيَّان يكن للبربر كراهية شديدة تشيع على ظاهر صفحات تاريخه ، فهو يندد بقسوتهم وحقدهم الدفين على الدولة الأندلسية ، ورغبتهم في نقض بناء الحضارة الأندلسية منذ أول لحظة يتهيأ لهم فيها ذلك(30) وقد تتبع ابن حَيَّان تلك الأحداث وفى تفصيل دقيق .

وانتهت هذه المرحلة في سنة 417 هـ / 1026 م ، حين أجمع أهل قُرْطُبَة برئاسة الوزير أبو الحَزْم بن جَهْوَر على رد الأمر إلى بني أُمَيّة (31)، واتفقوا على مبايعة هشام بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الناصر(32) ، وتلقب

بالمستظهر (33) . وبعد ذلك خرج عليه ، محمد بن عبد الملك (المُسْتَكْفي ) سنة 414 هـ / 1023 م ، ويذكر ابن حَيَّان عن الخليفة المستكفى قوله : " ولم يكن هذا المستكفى من هذا الأمر في وِرْدٍ ولا صَدَر ، وإنما أرسله الله تعالى على أهل قُرْطُبَة محنة وبلية " (34)، وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على متابعة ابن حَيَّان للأحداث ورصدها بصورة شبه يومية وبطريقة ناقدة ، كما سيتضح في الفصول القادمة .

ونتيجة لتلك الأحداث تقلصت بالضرورة قوة السُلطة في الداخل(35) ، وهو ما انعكس أيضاً على فكر ابن حَيَّان؛ فحاول مثل غيره من المؤرخين النابهين من أمثال ابن حَزْم أن يعمل على تحقيق وحدة الأندلس وتقوية سلطة الخلافة من جديد(36) ؛ فنراه يعتد "بالجماعة" أو وحدة الأندلس ؛ولذا كان يستخدم كلمة الجماعة مراراً وتكراراً فيقول : " سلطان الجماعة " و" إمام الجماعة " و"أمير الجماعة "(37) .

وبينما كان البناء السياسي للأندلس يتصدع شيئاً فشيئاً أثناء فترة الصراع على الخلافة بين من ادعاها من أفراد البيت الأُمَوي ومن أعقبوهم من بني

حَمّود (38) ، انهار البناء السياسي جملة ، وضاعت الوحدة ، وتفرق أمر

الجماعة (39) ، وفي تلك الأثناء اجتمع شيوخ قُرْطُبَة والوزراء برئاسة أبي الحزم بن جَهْوَر ، واتفقوا على خلع المُعْتَد بالله – آخر خلفاء بني أُمَيّة - ، وإبطال رسم الخلافة جملة(40) ، ونودي في الأسواق والأرباض ؛ ألا يبقى بقُرْطُبَة أحد من بني أُمَيّة ، وألا يكنفهم أحد من أهل المدينة ، وانتهى بذلك أمر بني أُمَيّة في الأندلس وزالت خلافتهم وانقطعت الدعوة لهم (41) ، وأثرت تلك الواقعة تأثيرا بالغاً في فكر ابن حَيَّان ، وجعلته يتابع مصير دويلات الطوائف ، ويرصد العديد من الوقائع ، وركز على انفراط وحدة الأندلس وتفرق ملكها إلى دويلات طائفية(42)، واقتسامهم ألقاب الخلافة ؛ فوصفهم ابن حَيَّان بأنهم : " أُمراء الفرقة الهمل(43) الذين هم ما بين فشل وَوَكَل" (44) .

أما في قُرْطُبَة فقد اجتمع كبار أهلها بعد إلغاء الخلافة ، وأسندوا الأمر إلى ابن جَهْوَر ، وكان مشهوراً عندهم بجدارته وكفاءته لتقلد هذا المنصب(45) ، وابتكر لأهل قُرْطُبَة نظاماً جديداً للحكم قائماً على الشورى ، ورأى ابن حَيَّان أنه لم يستبد بالسلطة كما استبد غيره من ملوك الطوائف ، وإنما كون مجلساً للحكم من شيوخ أهل قُرْطُبَة وانتخب أميناً لهذا المجلس ، وكان لا يصرف أمراً إلا بعد الرجوع إلى جماعة الشيوخ هؤلاء (46) ، وكان من جرَّاء ذلك أن اختار ابن حَيَّان المقام في قُرْطُبَة في ظل الجَهاوِرَة لأنهم في نظره خير بيئة يستطيع فيها أن يسجل أحداث عصره ، وفيها استطاع أن يعبر عن سلبيات المجتمع الأندلسي خاصة بعد تمزق الأندلس على هذا النحو ، وقد انتقد ملوك الطوائف فى عصره خاصة في تربص بعضهم لبعض ، واستعانتهم بالنصارى لتنفيذ مخططاتهم وهو ما سيضح لنا عند الحديث عن الموضوعية في كتاباته .

الصفحات