أنت هنا

قراءة كتاب حامل لواء التاريخ في الأندلس - ابن حيان القرطبي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حامل لواء التاريخ في الأندلس - ابن حيان القرطبي

حامل لواء التاريخ في الأندلس - ابن حيان القرطبي

كتاب " حامل لواء التاريخ في الأندلس - ابن حيان القرطبي " ، تأليف د. أنور زناتي ، والذي صدر عن دار زهران ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 9

وبصفة عامة يمكن القول أن " الانتكاسات التاريخية في حياة الشعوب ليست شراً مستطيراً على طول الخط ؛ بل قد تسفر عن ايجابيات بصدد الفكر وتطوره ، إذ غالباً ما تفضي إلى استنفار النخبة المفكرة لاستقراء أسباب وعلل تلك الانتكاسات " (47).

وعلى الصعيد الاقتصادي وبعد انهيار وسقوط الخلافة حدثت الانتكاسة وعم الكساد الاقتصادي(48) وتدهور العمران ، وحفل العصر بالأزمات إلى حد المجاعة وأفل نجم قُرْطُبَة عمرانياً وبشرياً ، وصور ابن حَيَّان الوضع قائلاً : "... وطمست أعلام قصر الزهراء(49) ..... فطوى بخرابها بساط الدنيا وتغير حسنها ، إذ كانت جنة الأرض ،فعدا عليها قبل تمام المائة من كان أضعف قوة من فارة المسك ، وأوهن بنية من بعوضة النمروذ ، والله يسلط جنوده على من يشاء ، له العزة والجبروت "(50) .

وتحولت المدن التجارية المزدهرة إلى قلاع وحصون عسكرية(51) الأمر الذي لقي تنديد ابن حَيَّان ، ويشيع ذلك في صفحات كتابه " المتين " ومثال على ذلك ما أشار إليه في فطنة بالغة عن سوء الأحوال الاقتصادية نتيجة الوضع المتردي في بمدينة بَطَلْيَوْس(52) نتيجة النزاع بين المعتضِد بن عَبَّاد والأَفْطَس ؛ فقال: " بقيت بَطَلْيَوْس مدةً خالية الدكاكين والأسواق من استئصال القتل لأهلها في وقعة ابن عَبَّاد هذه بفتيان أغمارٍ إلا الشيوخ والكهول الذين أصيبوا يومئذ . فاستدللت بذلك على فشو المصيبة (53) ؛ فتوقع برؤية ثاقبة عما سيحل بعد ذلك من كوارث اقتصادية .

وانتشرت في الأندلس " الكُوَر المجندة "(54) نتيجة لكثرة الحروب الأهلية، فنزل جند دمشق في كورة إلْبِيرَة(55) ، وجند حَمْص في كورة إشبِيلِيّة(56) ، وجند الأردن في كورة مالطة ، وجند قِنَّسْرِين في كورة باجة(57)، وبعضهم بكورة تُدْمِير(58)، فهذه منازل العرب الشَّاميين، وبقي العرب والبردون

شركاءهم ، كما تعاظم "إقطاع التجار" نتيجة شرائهم بعض إقطاعات الخلفاء والولاة(59). وفي ظل هذا الحكم اضطرب الوضع الاقتصادي ، واشتد الغلاء، وانتشرت الأوبئة ، وعمت الكوارث ، وانعدم الاستقرار والأمن (60) .

ولجأ الملوك من أجل إرضاء نزواتهم وتحقيق لذاتهم إلى إثقال كاهل رعاياهم بالضرائب (61) ؛ فانعكس ذلك الوضع على كتابات ابن حَيَّان فوصف ذلك الوضع المتردي في مرارة واضحة بقوله " فما أقول فى أرض فسد ملحها الذى هو المصلح لجميع أغذيتها ؟ هل هى إلا مشفية على بوارها واستئصالها ؟ ولقد طمى العجب من أفعال هؤلاء الأمراء ...

أمور لو تدبرها حكيم إذن لنهى وهبب ما استطاعا(62)

وعلى الصعيد الاجتماعي شهد المجتمع الأندلسي في ظل الخلافة والحِجابة مرحلة المزج والانصهار بين العرقيات المتنوعة ليحدث نوع من التجانس لم تشهده الأندلس من قبل ؛ إلا أن السخائم العرقية والإقليمية عادت مرة أخرى لتؤثر سلبياً في هذا التجانس، ولتمزق وحدة الأندلس من جديد(63) بظهور النزعة العنصرية ؛ ولذا لم يغب عن ابن حَيَّان أيضاً أن يعبر عن تلك النزعة في الأندلس في تلك الفترة وذلك من خلال حديثه عن اجتماع خازني بيت المال في عهد الأمير محمد ، وهما " عبد الله بن عثمان بن بسيل ، ومحمد بن وليد بن غانم " واستدعى الأمر أن يكتب ابن غانم كتاباً قدم نفسه فيه ، فما كان من ابن بسيل إلا أن قام له : " والله لا أطبع كتاباً تتقدمني أنت فيه ، وأنا شامي وأنت بلدي "(64) .

ويشير أيضاً إلى الفتنة بين اليمنية والمضرية فقال : " وكان ابتداء فتنة أهل الجزيرة وانبعاثها بالمعصية بين اليمانية والمضرية أن أطلق بعضهم على بعض الغارات واستحلوا الحرمات وتخلقوا بأخلاق الجاهلية ، واتخذوا الحصون والمعاقل المنيعة فارتقوا اليها وأذلوا البسائط "(65)

وقد كانت هناك طبقة الأُمراء والحكام وذوو الثراء وأصحاب الوظائف الكبرى ، وكانوا يمتلكون ثروات طائلة تمثلت في الضياع الواسعة ، والقصور الخاصة ، وتفننوا في صنوف من البذخ(66) ؛ فيصف ابن حيان ثرء أبي الحزم ابن جهور قائلاً " تضاعفت ثراؤه ، وصار لا تقع العين على أغنى منه "(67) ، وقام ابن حيان بتقدير ثروة باديس بأنها تقدر ب " خمسمائة ألف مثقال جعفرية(68)، سوى فضة والآنية والحلية "(69) .

والناظر إلى روايات ابن حَيَّان يجد أن الغالب عليها تصويره مثالب الطبقة الحاكمة ، ولم يغب عنه تصرفات الحكام وشغفهم بالبناء إلى حد الإسراف والبذخ ويتضح هذا ـ فيما نقله عن معاوية بن هشام ـ عند ذكره لقيام الأمير محمد بتحسين قصر الخلافة ، فيقول : أنه بلغ من تحُسَينه إياه مبلغاً " تَوَفَّتْ به الكمال ، واكتسبت الجمال ، فشفيت به أدواء النفوس ، وضرب بحسنها المثل "(70).

كما رصد ابن حَيَّان انحراف الحُجاب والوزراء ، واستطاع أن يلقي الضوء حول طبيعة حياة الأمراء من خلال المعايشة ، وقد أشار إلى ما أصاب أهل الأندلس من نفاق وقلة وفاء وميل مع من يبقى في المنصب ، كما لم يغب عنه أن يصور بعض تجاوزات الولاة وظلمهم . كما صور دور الجواري في بلاط حكام الأندلس ، وانتقد ما كان يقمن به من دسائس وهذه الرؤية النقدية ما كانت لتحدث لولا ظروف عصره التي دفعته إلى ذكر ما وصل إليه حال الأندلس من انقسام وتفكك(71) .

الصفحات