أنت هنا

قراءة كتاب يسمعون حسيسها

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
يسمعون حسيسها

يسمعون حسيسها

رواية "يسمعون حسيسها" للشاعر والروائي أيمن العتوم، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان، تتناول قصّة طبيب أمضى سبعة عشر عاماً في سجن تدمر في سوريّة للفترة من 1980 حتى 1997.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4
- وْلا··· إنتا قائد بِالطّليعة··· وما إلك علاقة··· شلون صارت هَيْ··· إعْتِرفْ أحسنْ لَكْ···
 
- على شُو إعْترف يا سيدي؟!
 
- وْلا··· إنتا حكمك إعدام من هَلأّ··· إزا رَحْ تعترف ممكن يصير مؤبّد·
 
(بقيت واجِمًا، صدمتْني الجملة الأخيرة، غاب عن بالي أنّ الموت يُمكن أن يقدّم نفسه على يدي إنسان) كانت فترة صمتي كفيلة بأن تنصبّ عليّ بعدها حمم العذاب···
 
انهالت عليّ (كيبلات) الأسلاك المعدنيّة، في الضّربة الأولى كان الجِلدُ طريًّا، غاص الكيبل في اللّحم، ماشى دورة الدّم في عروق الظَّهر، خرج وهو يرنّ، وخرجتْ معه صرخة الرّعب من أعماقي، حاولتُ أن أنهض، فتتابعت اللّكمات والكيبلات من كلّ اتّجاه، ترنّحتُ قبل أن أتماثل للوقوف··· جاءني (كيبل) من الخلف حَزّ رأسي، وتابع سيره إلى عينيّ··· تلقّت الطّماشة الأثر··· انزاحت عن عينيّ قليلاً، مازلتُ في وعيي لكي ألمح وجه المحقّق ينظر إليّ وهو يُرجِع ظهره إلى الخلف ويبدو منتشيًا بمنظري وأنا أتلوّى تحت السّياط··· راح الدّم يسيل في شُعبٍ على ظهري وصدري ووجهي··· تركوني بإشارةٍ من سيّدهم وعادوا إلى وقفتهم، وهم يلهثون· عاودَ المحقّق السّؤال مرّة أخرى:
 
- وْلا··· شو علاقتك بمحمود···
 
- مين محمود يا سيدي؟!
 
- وْلا··· المسؤول عنّك بِالتّنظيم··· محمود الفحّام وْلا···
 
- ما بعرفو يا سيدي··· أقسم إنو ما بعرفو!!!
 
- مو ناوي تعترف يا ابن الشّــ···
 
ثمّ صمت المحقّق، وبإشارة أخرى منه، بدأت جولة أخرى من العذاب··· هذه المرّة قال لهم أن ينزعوا الطّمّاشة عن عينيّ، لا أدري لماذا؟! ربّما كان يريدني أن أرى أدوات العذاب فيُضاعف في أثره النّفسيّ عليّ··· غير أنّ توقّع الضّربة دون أن تراها ربّما يكون أقسى من الضّربة نفسها!!!
 
جاؤوا بسلاسل من الحديد، أمسك اثنان منهما بيديّ، والآخران برِجليّ، قرّبا عظمتَي الكاحل من بعضهما، وراحا يشدّان العظمتين، كان الألم لا يوصَف، اختلط العرق بالدّم، ثمّ اختلطت بهما سيّالاتُ من الدّموع· وشكّل الثّلاثة مزيجًا حامِضًا ومالِحًا وحُلوًا··· لم يرحماني؛ ربطا رِجليّ بالسّلسلة، وشدّا على العظم ثانيةً فأحسستُ أنّ عظم الكاحل قد تهتّك، وتفتّت داخل الجلد، لم يعبَآ بصرخاتي الّتي ملأت المكان، قيّد الآخران يديّ بالكلبْشات، وسمعتُ أحدهما يقول:
 
- حُطّو بالدّولاب···
 
أمرني أحدهم: عُودْ بالأرض، ضَهرَكْ وْإجْريك لَفُوق· أحضر الثّاني (دولاب الكاوتشوك) وغرسه في رِجليّ ورأسي، صار الدّولاب دائرة تشدّ ظهري إلى رِجليّ المرفوعتين، أمّا قفاي فهو على الأرض وبارتفاع رجليّ صارت أعضائي التّناسليّة صيدًا سهلاً لهم· وقف اثنان عند هاتين الرِّجلين، ووقف الثّالث عند الرّأس، وبدأت الحفلة المُرعِبة· انهمك اللّذان عند رِجليّ في ضربي عليهما بمواسير حديديّة، كانت الماسورة الواحدة تهوي على الرِّجل فترضّها بثقلها، وحين تنسحب صاعِدةً إلى الأعلى تخدش لحمَ باطن القدم بطرفها المُسنَّن، ثمّ لا تلبث أن تهوي مرّة أخرى، بدأ الدّم ينثعب ببطء، ثمّ ما لبثت قدماي أن انفتح كامل الجِلد فيهما على القشرة الّتي تحتهما فصار الدّم يجري سيولاً· أمّا الّذي عند الرأس فأمسك (بكيبل) مجدول وراح يهوي به على رأسي المتورّمة من الحفلة الأولى، حتّى إذا تعب تحوّل إلى الأمام، وبدأ يضرب على الإليتَين، ويتقصّد الخُصيتين، فيتفاقم مستوى الألم إلى حدّ لا يوصَف··· أمّا صرخاتي فلم تكنْ تعبيرًا عن هذا الألم بقَدْر ما كانت التِقاطًا للنَّفَس الّذي بدأ يتلاشى من صدري، كنتُ أصرخ لأسحب الهواء إلى الدّاخل حتّى أحافظ على نَفَسي من الاختناق، وأفرّغ طاقة العذاب في صوت الصّرخة نفسها···!!!
 
تخلّيتُ - في الجلدة المئتين رُبّما - عن سحب الهواء إلى الدّاخل، كنتُ أريد أن أستسلم، لا أريد مزيدًا من الحياة، بدا الموت في هذه اللّحظة أمنيةً عزيزة المنال، تمنّيت أن يخلّصني من هؤلاء الوحوش، تركتُ أنفاسي تتدحرج على حافّة المواسير والكيبلات، وقلتُ للموت أهلاً وسهلاً ومرحبًا··· غير أنّ الجلاّدين توقّفوا في تلك اللّحظة··· رجعوا إلى الوراء، وصاح المحقّق:
 
- خُودْ ابن الشّر·· خلّيه يفكّر عَ راحتو···
 
شحطوني إلى الزّنزانة الّتي تحمل الرّقم (11)، تفاءلت بالرّقم، ودخلتُ كُتلةً من الجِراح، وكيسًا من الأوجاع الّتي لم أجرّبها في حياتي سابِقًا· قفز إلى ذهني أهلي: هل هناك مَنْ أخبرهم بما أنا فيه من العذاب؟! هل عرفوا أنّني اعتُقلت؟! وزوجتي الحامل هل تقبّلتْ سبب غيابي كلّ هذا الوقت؟!!

الصفحات