أنت هنا

قراءة كتاب يسمعون حسيسها

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
يسمعون حسيسها

يسمعون حسيسها

رواية "يسمعون حسيسها" للشاعر والروائي أيمن العتوم، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان، تتناول قصّة طبيب أمضى سبعة عشر عاماً في سجن تدمر في سوريّة للفترة من 1980 حتى 1997.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9
وضع عصا خشنةٍ طولها حوالي (60) سم، مُحيطها فيه نتوءات بارزة، كأنّها مشطٌ من حديد، وراح يلفّها على شعر رأسي الطّويل، وفي كلّ لفّة كانت العصا تُحكم تشبّثها بهذا الشّعر وتقترب من فروة الرّأس، والمحقّق يُتابع لفّها، حتّى إذا صار عدد اللّفات أكثر من عشرين لفّة، وصارت العصا نفسها ملاصقة لفروة الرّأس، أوقف جلاّدين عند طرفيها، وقال:
 
- تعترف ولا إِسْلَخْ فروة راسك··
 
-·····!!
 
أشار إلى العساكر بيده، أمسك كلّ عسكريّ بطرفٍ من أطراف العصا، وأحكم قبضة يده حولها، ثمّ شدّا بكامل قوّتهما معًا الطّرّفين بحركة مُفاجئة وسريعة، فانخلع الشّعر، وكادت فروة الرّأس تطير معه، أحسستُ بوهجٍ حارقٌ يلفّ أعلى رأسي، وشعرتُ بعينيّ ترتفعان إلى الأعلى وتضيقان وكأنّهما في طريقهما إلى الانفِجار، ابتعلت هواء الغرفة كاملاً في جوفي من الصّدمة، ولكنّه انحبس هناك ورفض أن يخرج، كاد أن يُغمَى عليه، وفي لحظةٍ انبجس الهواء من الدّاخل وخرجت معه صرخةٌ مضغوطة، صرّت كأنّها صرير ألف مُعذّبٍ· انخمد جسمي، شعرتُ به يتراخى، لاحظ المحقّق ذلك، فأشار إلى العساكر فبادروا بإلقاء دلوٍ من الماء البارد على وجهي حتّى لا أفقد الوعي··· تلقّيتُ الماء، ابتلعتُ بعضه فأعادني إلى الحياة من جديد، وابترد ببعضها الباقي الحريق الّذي شبّ في فروة رأسي، فتحتُ عينيّ على كامل اتّساعهما، وأخذت أشهق وأزفر بتتابع···
 
كان واضِحًا أنّ المحقّق يريد أن يذهب بي إلى أقصى درجات التّعذيب، وفي الوقت نفسه يريدني ألاّ أفقد الوعي، إذا فقدتُ الوعي فمعنى ذلك أنّني انتصرتُ ولم أعترف وارتحت من العذاب ولو إلى حين··· هو يريد المعلومة بأيّ ثمن إلاّ فقدان الوعي··· المعلومة الّتي تقوده إلى بقيّة أعضاء التّنظيم···!!
 
بدأتُ أتماثل للثّبات أكثر مِمّا مضى، وبدأ هو يفقد أعصابه، وبدأت أولى هزائمه؛ انقضّ عليّ كثورٍ هائج، كان يخور وهو يسبّ ويقذف بالشّتائم في كلّ اتّجاه، جثا خلفي، وركن كوعي إلى كتفه القاسية، وأمسك بأصابعي وأرجعها إلى الخلف بكلّ ما فيه من غيظٍ وحنق، فانكسرت الوُسطى مثل قَرْن فولٍ أخضر، سمعتُ طَقْطَقَتَها، قبل أن أصرخ بكلّ ما فيّ من طاقةٍ··· كان الألم فظيعًا، بدا أنّني لم أعتد الألم ولم أتصالح معه بعد كلّ هذه الحفلات المتتابعة، كان الألم كلّ مرّة سيّد اللّحظة، يأتي بكامل أبّهته ويأخذ نصيبه من روحي ومن خلاياي!!
 
جلس المحقّق إلى الكرسيّ مرّة أخرى، وبدا أنّ الوقت يعمل في غير صالحه، وأنّ سادَته يريدون منّي المعلومة بأسرع وقت، قبل أن ينفّذ الآخرون هجماتهم على الجيش والمواقع الأمنيّة، اقترب منّي وجرّب لهجةً جديدة:
 
- يا ابني··· ساعِدنا لَنْساعدك···
 
- حاضر (قلت بكلّ ثقةٍ وأسى)·
 
- طيّب··· مين معك غير محمود وهيثم···
 
- أقسم لك سيدي ما بعرف هَدُول الاتنين···!!
 
- طيّب··· أنا رح إحكي مجموعة أسماء··· بَسْ تْقلّي وين ممكن يكونوا مِتواجدين···
 
لم أحرّك ساكِنًا· ظللتُ أحاول أن أبتلع ألمي، وأتجرّع مراراتي، وأذهل قليلاً عن واقعي· فتح درج مكتبه، رمى بها إلى أحد الجلاّدين، وقال له:
 
- ابدأ بأظافر اليد اليمنى···
 
كانت يداي مُقيّدتين خلف ظهري، أمسك الجلاّد (بالكمّاشة) وشدّ بها على ظفر الإبهام، وصار ينزعه ببطء إلى الخارج، كان الوجع مَهولاً، قررتُ أن أسقط في وادي الغياب، كتمتُ نَفَسي إلى أقصى زمنٍ مُمكن، وشددتُ على أسناني بكلّ ما أوتيت من قوّة، وأطبقت فمي إطباقًا تامًّا··· وسقطتُ كما أردت···!!

الصفحات