أنت هنا

قراءة كتاب يسمعون حسيسها

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
يسمعون حسيسها

يسمعون حسيسها

رواية "يسمعون حسيسها" للشاعر والروائي أيمن العتوم، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان، تتناول قصّة طبيب أمضى سبعة عشر عاماً في سجن تدمر في سوريّة للفترة من 1980 حتى 1997.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6
- ولك يا ابني يا إمّا بْتِنْعِدم إزا ما بْتِتْعاون، أو بْتِنْحكم سنة أو سنتين وتطلع بَعْدَا··· ولك يا ابني هَيْ السّياسة ما بْتِعرف شو بصير··· بكره بْتِتْغيّر الأمور··· وممكن تِطلع مِنَّا··· فاعترف أحسنْ لَكْ···
 
- يا سيدي··· عَ شُو بدّي إعترف···؟!!!
 
- مَوْتُوه يا شباب·
 
استعدتُ وعيي في الزّنزانة· رفعت المودّة شِراعها· هناك دائمًا ألفة من نوعٍ ما يُمكن أن تنشأ بين الإنسان والمكان·
 
اصطفقت في دماغي أصوات العصافير القادمة من الجهة الشّمالية لجبال القرية، بدأت تعلو رويدًا رويدًا حتّى ملأت عليّ كياني، تمايلتُ على إيقاعها الجميل، ورقص قلبي فرحًا لأنغامها· حطّ أحدها على كتفي وبدأ يمسح بظاهر جناحه ما سال من دمٍ على وجهي، تركته يفعل ما يحلو له، و حاولتُ أن أغفو قليلاً بين يديه، نبّهتْني جِراحٌ أخرى في قدميّ، كانت قدماي قد تشقّقتا حتّى صار باطنها أخاديد، بعض هذه الأخاديد بان عن عضلٍ مُشوّه، وآخر بان عن عظمٍ أبيض لامع يميل إلى الزّرقة قليلاً··· تمنّيت لو أنّ الفراشات الّتي ملأت وجهي ذات الصّباح الربيعيّ البهيّ في البلدة أن تأتي لتملأ بياض عِظامي، قالت لي العصافير: إنّ الفراشات حاولت أن تأتي، ولكنّ الجلاّدين أوقفوها على باب السّجن، وحظروا عليها الدّخول إليك··· ساءلتُها، وأنتِ أيّتها العصافير ألم يحظر الجلاّدون عليك الدّخول مثلها، كيف وصلتِ إلى هنا، أجابت:
 
- نحن قلب الحرّيّة، ولا توجد قوّة في الأرض يمكن أن تصادرها··· قد تُصادر الجسد، لكنّ انحباس الجسد ليس شكلاً من أشكال العبوديّة··· ونحن الشّمس، من يستطيع أن يمنع الشّمس من التّسلّل عبر النّوافذ والشّقوق···؟!!
 
ناداني أبي من قعر الجبّ: ألم أكن أنا أولى بإطلاق الرّصاص عليك من هؤلاء المجرمين؟! ألم يكنْ من حقّي أن أكسر قدميك بدل أن يفعل هؤلاء القتلة بك هذا؟!
 
أمّا أمّي فلا زالت دعواتها تلفّني بضبابٍ شفيفٍ من الطّمأنينة··· إذا كانت أمّي قادرةً فيما مضى على حمايتي من أبي، فلا بدّ أنّها اليوم قادرةٌ على حمايتي من الأب الأكبر، من السّلطة الّتي تعدّ نفسها أبًا لكلّ النّاس، وأنّها تملك كلّ ما يملكون، وحقّها في التّصرّف بتفاصيل حياتهم أكبر من حقّهم هم أنفسهم··!!!

الصفحات