أنت هنا

قراءة كتاب يسمعون حسيسها

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
يسمعون حسيسها

يسمعون حسيسها

رواية "يسمعون حسيسها" للشاعر والروائي أيمن العتوم، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان، تتناول قصّة طبيب أمضى سبعة عشر عاماً في سجن تدمر في سوريّة للفترة من 1980 حتى 1997.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5
مضى يومٌ واحد، كانت استراحةً للجلاّدين وليست لي، إذ إنّهم جرّوني مرّة أخرى إلى الغرفة ذاتها:
 
هذه المرّة لم يضعوا الطّمّاشة على عيني، أبقوني جاثِيًا على البلاط أمام المحقّق، وأمروني ألاّ أرفع رأسي، وأن أضع يديّ خلف ظهري· بدت لهجة التّحقيق هذه المرّة مختلفة عن السّابق، خيطٌ من الودّ الماكر كان ينسلّ من بين شفاه المحقّق اللّعين:
 
- محمود اعترَف، إنّك كنت تستلم منّو القنابل···
 
- ما استلمتْ قنابل ولا بعرف محمود···
 
- إزا قُلتلنا وين مخبّي القنابل ودلّيتنا عليها بشرفي رَحْ تْرُوحِ اليوم···
 
- كيف بدّي دِلَّك على شي ما بعرفو···
 
كنتُ عنيدًا؟! نعم· كنتُ أحاول أن أُثبت قدرتي على التّحمّل أمام نفسي؟! بلى· بدأتُ أستمتع باللّعبة، صرتُ أحاول أن أبتلع كرة الألم النّحاسيّة عند الضّربة الأولى·
 
تتغيّر اللّهجات بحسب مستوى المعلومة، وبحسب تجاوب السّجين مع المحقّق· الآن ارتفعت الوتيرة· صاح:
 
- مِتِلْ ما الله خلقك بدّك تخلق القنابل والسّلاح يا ابن العاهـ···
 
- الله خلق··· ولا غيرو بْيُخلق···
 
- وإنتا بدّك تخلق السّلاح··· أنا بعرف كيف خَلّيكْ تِخلقو···!!
 
تحلّق العساكر الأربعة حولي، بطحني أحدهم على الأرض، وراحوا يقفزون ببساطيرهم على بطني، ويُخبّطون على صدري، ويركلون رأسي··· صار رأسي كرةً تتدحرج في ملعب البساطير يمينًا وشِمالاً، كان الرأس هو الجزء الأصعب المنفلت من المعادلة، جسدي المُمدّد على الأرض له أفضليّة الثّبات والاتّقاء، أمّا رأسي فكان بندولاً متأرجِحًا، كانت ضربة واحدة من (بوز) بسطار تساوي أربعين من مثيلاتها على بقيّة الجسد· يبقى الرّأس رأسًا حتّى في هذه المعادلة السّرياليّة الّتي أعيشها!!
 
صاح المحقّق بهم:
 
- هاتوا السّلّم·
 
شَبَحوني على السّلم، وأوثقوا يديّ ورِجليّ بِحبالٍ غليظة، وشدّوها بإحكام، حزّت الحبال في الرّسغين وفي الكاحلين وغاصت في الجلد· ثمّ تعاون الأربعة على رفع السّلّم على خازوقٍ يخرج من أعلى الجدار المقابل للباب، كان رأسي إلى الأسفل وقدماي إلى الأعلى، شدّ جسمي بثقله إلى الأسفل فغاصت حبال القدمين في اللحم عميقًا، سال منهما ما تبقّى من دمٍ على فخذيّ، وتابعت مجاري الدّم على جسدي نزولها حتّى خالطت رأسي، تجمّع الدّم هناك واشتبك مع شعر رأسي، وصار يقطر قطراتٍ متتابعة، وينقّط على الأرض، شكّل تنقيطه المتتابع خيطًا رفيعًا ما لبث أن تكتّلت حوله قطرات أخرى ممتزجةً مع العرق والدّموع وسالتْ على بلاط الغرفة··· اقترب منّي المحقّق ووقف عند رأسي، وركلني ببسطاره هو الآخر، أصابت الرّكلة خدّي وطرفًا من عينيّ، صرختُ بأعلى ما أستطيع، واصطكّت أسناني من الوجع··· تركني ألتقطُ أنفاسي لبرهةٍ ثمّ أقعى عند وجهي، هزّ رأسه بأسفٍ، وقال:
 
- إعْترِف·· وأنا هون موجود··· إزا طلعت وتركتك مع هَدول الأربعة··· رح يْمَوْتوك··· إزا اعترفت هَلّأْ أنا بحميك··· بس إزا طْلعت ما بِضْمِنلك شي···
 
- ما عندي شي إِعْترف عليه··

الصفحات