أنت هنا

قراءة كتاب يسمعون حسيسها

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
يسمعون حسيسها

يسمعون حسيسها

رواية "يسمعون حسيسها" للشاعر والروائي أيمن العتوم، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان، تتناول قصّة طبيب أمضى سبعة عشر عاماً في سجن تدمر في سوريّة للفترة من 1980 حتى 1997.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7
(3)
 
شَياطِينُ الجَحيمِ
 
الزّنزانة الّتي استقرّ فيها ما تبقّى من جسدي في اليوم الرّابع أو الخامس أو السّادس لا أدري، هي عبارة عن قبر مرفوع الغِطاء· كانت الزّنزانة بعرض (70) أو (80) سم وبطول مترين، وبارتفاع مترين، تكاد جوانبها تضيق عن عرض الجسد، لك أن تبسط جسدك فيها دون يديك، أمّا يداك فيجب أن تبقيا فوق صدرك لأنّ المكان - فيزيائيّا - لا يتّسع لهما ممدودتين على الجوانب، أمّا إذا نِمت على شِقّك الأيمن، فحينئذٍ يمكن أن تحظى ساقاك ببعض التّكوّر البسيط لمحاولة النّوم· وما الفِراش والغِطاء والشّراب؟! كان في الزّنزانة بطّانيّة واحدة، و(كوز) بحجم الكفّ مملوءٌ بالماء· فيما بعد ظلّ هذا الكوز ملازِمًا لي عامًا كاملاً؛ كنتُ أشربُ فيه وأبول فيه، وأنظّف جروحي فيه· كان الجلاّد يفتح باب الزّنزانة في اليوم مرّتين للتّغوّط، أمّا البول ففي الكوز داخل الزّنزانة بعد أن تشرب ماءه الصّديد·
 
نزعتُ الشّريط الأبيض على طرف البطّانية بأسناني، وصنعتُ منه عدّة ضمّادات، بلّلتُها بماء الكوز، ورحتُ أعالجُ جروحي وحروقي· كان الجرح الأصعب جرح الرّصاصة، أزلتُ عن فخذي الضّمادة الّتي اشتبك فيها اللّون الأحمر بالأصفر، وأعدتُ نقبَ الجُرح، وأنا أشدّ على أسناني من الوجع، ويتقاطر العرق من جبهتي حارًّا إلى ذقني مع كلّ نَقْبة، تمنيت أن يكون لديّ سكّين أو سيخ من الحديد لأُخرجَ به الرّصاصة، لكنّها أمنية هاربة في زمنٍ مقبوضٍ فيه عليّ من كلّ اتّجاه، حاولتُ أن أخفف التهاب الجرح بمسح ما تخثّر فوقه من الدّم، وما تهيّج حوله من أنسجة، وربطتُه بضمّاداتي الجديدة· مدّدتُ جسدي بصعوبة على الأرض، وتمتمتُ ببعض الأدعية، ونمتُ على حلم الخلاص···!!
 
خبطات عاليات على الباب، وصياح وهياج الدّاخلين أفزعني من نومي، ولمّا لم أستطع المشي، أمسك عسكريّان بكتفيّ، وجرّوني مثل كلب إلى الخارج، تهدّلت خلفي ساقاي، وتأرجحت قدماي وهما تضربان مع الشّحط بإسمنت الأرض، كانت المسافة بين الزّنزانة وغرفة التّحقيـــق تقرب من (100) متر، خلالها تجرّحت قدماي واختلط فيهمــا أبيض الأرض مع أحمر الدّم··· حافظتُ على نَفَسي منتظمًا، وأرحت كامل جسدي على ساعِدَي العسكريّين، وسمعت صوت لهاثهما، وارتحت على أنّني أتخّفف من عبء جسدي ولو قليـلاً·
 
قال المحقّق:
 
- ولا إنتا ما بدّك تِعترف···
 
- عَ شُو بِدّي إعْترف··· ما عندي شي··
 
- وْلا··· مو محمود الفحّام لحالو اعترف عليك··· كمشنا هيثم رشيد كمان··· هو الّلَخْري اعْترف عليك··· وْلا كم قنبلة مْخبّي قدّام البيت···؟!
 
- لا محمود··· ولا هيثم··· ولا قنابل··· يا سيدي أنا طبيب على باب الله بِشْتِغِل مْن الصّبح لَلْمسا بالمستشفى··· شو بدّي بوجع الرّاس··· قنابل ما قنابل··· وإخوان ما إخوان··· وعندي طفل عَ الطّريق بِدّي أمّنّلو رغيف خبز يا سيدي···
 
- ولا··· لا تعملّي فِيَّا سَهْيان··· إزا ما بتعترف بِنْتِفْلك لحيتك بْإِيدي وْلا···
 
-······!!!
 
- كَلْبشوه يا شباب··

الصفحات