كتاب "القدس قضية كل مسلم - سلسلة رسائل ترشيد الصحوة"، تأليف الإمام يوسف القرضاوي، هذه هى الرسالة العاشرة من (رسائل ترشيد الصحوة) وهى تتحدث عن قضية فى غاية الأهمية والخطورة علينا نحن العرب والمسلمين ، حيثما كنا فى أرض الله ، هى قضية القدس الشريف .
أنت هنا
قراءة كتاب القدس قضية كل مسلم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
القدس قضية كل مسلم
القدس أرض النبوات والبركات
والقدس جزء من أرض فلسطين ، بل هى غرة جبينها ، وواسطة عقدها ، ولقد وصف الله هذه الأرض بالبركة فى خمسة مواضع فى كتابه :
أولـها : فى آية الإسراء حين وصف المسجد الأقصـى بأنـه : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (الإسراء:1).
وثانيها : حين تحدث فى قصة خليله إبراهيم ، فقال : ) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ) (الأنبياء:71).
وثالثها : فى قصة موسى ، حيث قال عن بنى إسرائيل بعد إغراق فرعون وجنوده : ( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ) (الأعراف:137).
ورابعها : فى قصة سليمان وما سخر الله له من ملك لا ينبغى لأحد من بعده ، ومنه تسخير الريح ، وذلك فى قـولـه تـعـالـى : ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ) (الأنبياء:81).
وخامسها : فى قصة سبأ ، وكيف منَّ الله عليهم بالأمن والرغد ، قال تعالى : ( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ) (سبأ:18). فهذه القرى التى بارك الله فيها هى قرى الشام وفلسطين.
قال المفسر الآلوسى : المراد بالقرى التى بورك فيها : قرى الشـام ، لكثرة أشجارها وثمارها ، والتوسعة على أهلـهـا . وعن ابن عباس : هى قرى بيت المقدس ، وقال ابن عطية : إن إجماع المفسرين عليه (2).
وقد ذهب عدد من مفسرى القرآن من علماء السلف والخلف فى قوله تعالى : ) والتين والزيتون ( 1 ) وطور سينين ( 2 ) وهذا البلد الأمين ) (التين:1-3) إلى أن التين والزيتون يقصد بهما الأرض أو البلدة التى تنبت التين والزيتون ، وهى بيت المقدس .
قال ابن كثير : قال بعض الأئمة : هذه محالّ ثلاثة بعث الله من كل واحد منها نبيًّا مرسلاً من أولى العزم ، أصحاب الشرائع الكبار . فالأول : محل التين والزيتون ، وهو بيت المقدس ، الذى بعث الله فيه عيسى ابن مريم عليهما السلام ، والثانى : طور سيناء ، الذى كلم الله عليه موسى بن عمران ، والثالث : مكة ، وهو البلد الأمين الذى من دخله كان آمنًا . وبهذا التفسير أو التأويل ، تتناغم وتنسجم هذه الأقسام ، فإذا كان البلد الأمين يشير إلى منبت الإسلام رسالة محمد ، وطور سينين يشير إلى منبت اليهودية رسالة موسى ، فإن التين والزيتون يشيران إلى رسالة عيسى ، الذى نشأ فى جوار بيت المقدس ، وقدم موعظته الشهيرة فى جبل الزيتون (3).
أرض الرباط والجهاد
والقدس عند المسلمين هى أرض الرباط والجهاد . فقد كان حديث القرآن عن المسجد الأقصى ، وحديث الرسول عن فضل الصلاة فيه ، من المبشرات بأن القدس سيفتحها الإسلام ، وستكون للمسلمين ، وسيشدون الرحال إلى مسجدها ، مصلين لله متعبدين ، وقد فتحت القدس ـ التى كانت تسمى إيلياء ـ فى عهد الخليفة الثانى فى الإسلام عمر بن الخطاب ، واشترط بطريركها الأكبر صفرونيوس ألا يسلم مفاتيح المدينة إلا للخليفة نفسه ، لا لأحد من قواده ، وقد جاء عمر من المدينة إلى القدس فى رحلة تاريخية مثيرة ، وتسلم مفاتيح المدينة ، وعقد مع أهلها من النصارى معاهدة أو اتفاقية معروفة فى التاريخ باسم =العهد العمرى+ أو =العهدة العمرية+ أمنهم فيها على معابدهم وعقائدهم وشعائرهم وأنفسهم وأموالهم ، وشهد على هذه الوثيقة عدد من قادة المسلمين ، أمثال : خالد بن الوليد ، وعبد الرحمن ابن عوف ، وعمرو بن العاص ، ومعاوية بن أبى سفيان (4).
وقد أعلم الله نبيه محمدًا * بأن هذه الأرض المقدسة سيحتلها الأعداء ، أو يهددونها بالغزو والاحتلال ، ولهذا حرض أمته على الرباط فيها ، والجهاد للدفاع عنها حتى لا تسقط فى أيدى الأعداء ، ولتحريرها إذا قدر لها أن تسقط فى أيديهم . كما أخبر عليه الصلاة والسلام بالمعركة المرتقبة بين المسلمين واليهود ، وأن النصر فى النهاية سيكون للمسلمين عليهم ، وأن كل شىء سيكون فى صف المسلمين حتى الحجر والشجر ، وأن كلاًّ منهما سينطق دالاًّ على أعدائهم ، سواء كان نطقًا بلسان الحال أم بلسان المقال (5). وقـد روى أبـو أمامـة الباهلى عن النبى * أنه قال : =لا تزالطائفة من أمتى على الحق ظاهرين ، لعدوهم قاهرين ، لا يضرهم من جابههم ، إلا ما أصابهم من لأواء (أى أذى) حتى يأتى أمر الله وهم على ذلك+ ، قالوا : وأين هم يا رسول الله ؟ قال : =ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس+ (6) .