كتاب "القدس قضية كل مسلم - سلسلة رسائل ترشيد الصحوة"، تأليف الإمام يوسف القرضاوي، هذه هى الرسالة العاشرة من (رسائل ترشيد الصحوة) وهى تتحدث عن قضية فى غاية الأهمية والخطورة علينا نحن العرب والمسلمين ، حيثما كنا فى أرض الله ، هى قضية القدس الشريف .
أنت هنا
قراءة كتاب القدس قضية كل مسلم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
القدس قضية كل مسلم
الوهن الإسلامى
وإذا كان العجز العربى عرضًا لا يدوم ، فكذلك الوهن الإسلامى ، إنه أمر يعرض للأمم كما تعرض الأمراض للجسم الصحيح ، لا يلبث أن يعالج منه ويشفى .
وكم أصابت هذه الأمة من آفات وأمراض ، فى أدوار من التاريخ ، حسب أعداؤها أنها لن تبرأ منها ، وأنها هى القاضية والقاتلة . ولكنها خرجت منها كما يخرج الذهب من النار ، أشد صفاء ، وأكثر لمعانا .
وحسبنا من ذلك : غزوات الصليبيين من الغرب ، وهجمات التتار من الشرق ، فى فترة ضعف من الأمة ، وتفرق بين أقطارها ، وغفلة من حكامها ، حتى سقطت قلاعها أمامهم أول الأمر ، وتحكموا فى رقاب أهلها ، وأقاموا لهم ممالك وإمارات ، وبقى (المسجد الأقصى) أسيرا فى أيدى الصليبيين (تسعين عامًا) كاملة .
ثم هيأ الله رجالاً لم يكونوا من جنس العرب ، ولكن عرّبهم الإسلام ، منهم التركى مثل عماد الدين زنكى ، وابنه نور الدين محمود ، والكردى مثل صلاح الدين الأيوبى ، وغيرهـم مثل سيف الدين قطز ، والظاهر بيبرس من قادة المماليك .
فعاد الصليبيون يجرون أذيال الخيبة ، ودخل التتار فى دين الله أفواجا .
وفى العصر الحديث احتل الاستعمار الغربى الزاحف ديار الإسلام ، من إندونيسيا إلى المغرب ، وحسب جنرالاته العسكريون ، وزعماؤه السياسيون ـ ومن ورائهم المبشرون والمستشرقون ـ أن هذه الديار قد دانت لهم إلى الأبد ، حتى إن بعضها اعتبروها جزءًا من أوطانهم كما فى الجزائر . ثم ما لبث الإسلام الذى يدينون به أن أيقظهم من رقود ، وحركهم من جمود ، ونفخ فيهم من روحه ، فكانت (معارك التحرير) فى كل بلد ، وكان للدين القدح المعلى فى الإيقاظ والتحريك والتجنيد والتجميع ، وآخر ملحمة مع الاستعمار كانت ملحمة ثورة التحرير الجزائرية من سنة 1954 حتى نالت استقلالها 1961 .
لقد نبهنا الرسول المعلم على سبب الوهن الذى يصيب الأمة ، وبين أنه سبب نفسى وأخلاقى ، وذلك فى الحديث الذى رواه أحمد وأبو داود عن ثوبان =يوشك أن تتداعى عليكم الأمم من كل أفق ، كما تتداعى الأكلة على قصعتها ، قالوا : أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعنَّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن فى قلوبكم الوهْن . قالوا : وما الوهن يا رسول الله؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت+.
هذا هو سر الوهن وعلّته : حب الدنيا وكراهية الموت . فإذا غيرت الأمة ما بنفسها ، ولم تعد الدنيا أكبر همها ومبلغ علمها ، ولم تعد تبالى : أوقعت على الموت أم وقع الموت عليها ، هنالك يغير الله ما بها ، ويبدل حالها من ضعف إلى قوة ، ومن ذل إلى عزة ، ومن هزيمة إلى نصر وتمكين
وأرى بشائر ذلك قد بدت وتجلت فى هذه الصحوة الإسلامية المعاصرة التى جددت العقول بالمعرفة ، والقلوب بالإيمان ، وأثرت فى شباب الأمة ـ ذكورًا وإناثًا ـ تأثيرًا يشبه تأثير الغيث فى الأرض الهامدة ، حتى إذا نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج .
وقد بينا فى دراسة سابقة لنا (7) :
أن الأمة المسلمة تملك مقومات القوة والرقى والسيادة من : الثروة البشرية (مليار وثلث من البشر) والثروة المادية (من سهول وجبال ومعادن وبحار وأنهار . . إلخ) والثروة الحضارية من خلال موقعها فى ملتقى القارات ، ومنبت الحضارات ومهبط الرسالات . فى أرضها نبتت الحضارات الفرعونية والفينيقية والآشورية والبابلية والفارسية . . .) بالإضافة إلى الحضارة الإسلامية العربية . وفيها نشأت الرسالات السماوية الكبرى : اليهودية والمسيحية والإسلام .
هذا إلى الثروة الروحية الكبرى ، التى تتميز بها دون الأمم ، فهى وحدها التى تملك رسالة الشمول والتوازن والعمق ، المتمثلة فى رسالة الإسلام .
وقد بدأت بعض شعوب هذه الأمة وأقطارها فى النهوض ومحاولة كسر حاجز التخلف الذى وضعت فيه الأمة زمنا طويلا ، وإن مع اليوم غدًا ، وإن غدًا لناظره قريب .