أنت هنا

قراءة كتاب التاريخ السياسي لامتيازات النفط في إيران 1901-1951

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التاريخ السياسي لامتيازات النفط في إيران 1901-1951

التاريخ السياسي لامتيازات النفط في إيران 1901-1951

يُشكل هذا البحث محاولة شاملة أولى لكتابة تاريخ الامتيازات النفطية في إيران، في حقبة زاخرة بالأحداث ابتدأ من العام 1901 وانتهت في العام 1951.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

يمثل عام 1872 ذروة اعتماد ايران على بريطانيا، فقد منح ناصر الدين شاه أحد رعايا الأخيرة وهو البارون "جوليوس دي رويتر- Julius de Reuter([29]) امتيازاً في الخامس والعشرين من تموز 1872([30])، لإنشاء عدد من المشاريع في إيران لمدة سبعين عاماً، لقاء مبلغ 40 ألف جنيه([31]). وحصل أيضاً، بموجب هذا الامتياز، على حق احتكار الخطوط الحديدة بين بحر قزوين والخليج العربي،وتأسيس خط تراموي في طهران، وإقامة مشاريع الري، وحق البحث عن المناجم، بضمنها النفط، عدا مناجم الذهب والفضة والأحجار الكريمة لأنها من حقوق الشاه([32]).
ولعل الأنكى من ذلك، أنه منح أيضاً حرية التصرف بمنح ذلك الامتياز لأية شركة أخرى يرتئيها، كما أخذ وعداً بأن تكون له الأفضلية على أي شخص أو مؤسسة تتقدم في المستقبل لنيل امتياز لتأسيس المصارف أو المشاريع الصناعية أو أي مشروع آخر في إيران([33]). وقد وصف المؤرخ الإيراني " إبراهيم تيمورى" هذا الامتياز بأنه:
"سند أسر إيران"([34]).
ووصف المرحلة بأنها:
"عصر الغفلة"([35]).
بينما وصفه اللورد كرزون([36])، بأنه أعجب امتياز في التاريخ بقوله"
"لم يسبق أن عرف التاريخ عقداً كهذا العقد تسلم مملكة بكامل ثرواتها تسليماً كاملاً الى أيدي أجنبية"([37]).
إن معارضة روسيا للامتياز، وعدم تحمس الحكومة البريطانية([38])، وضخامة رأس المال الذي يتطلبه تفوق إمكانية رويتر المالية، ومقاومة الفئة الحاكمة في طهران بتحريض من روسيا، أدت جميعها الى إلغاء الامتياز في الحادي عشر من تشرين الثاني 1873([39])، ومصادرة الأربعين ألف جنيه العائد الى رويتر([40]). رغم ذلك، أصبح الامتياز سابقة خطيرة حاولت الدول المتنافسة استغلالها، فاستغلته روسيا، فحصلت على امتياز مد سكة حديد من الحدود الى مدينة تبريز([41]). كما حصلت في حزيران 1876 على حق صيد الأسماك داخل المياه الإقليمية الإيرانية في بحر قزوين([42]).
امتد النفوذ الأجنبي في إيران ليشمل الجوانب العسكرية أيضاً، فنتيجة للامتياز الذي وقعّه ناصر الدين شاه مع روسيا في العام 1879، تم إنشاء فرقة عسكرية إيرانية على غرار فُرق القوزاق الروسية سمّيت بـ "فرقة القوزاق" وعهدت قيادتها الى ضباط روس([43]). وكانت مهمتها الرئيسة حماية البلاط ومصالح الروس، وقدّر لها أن تقوم بدور خطير في إحداث إيران فيما بعد، فقد:
"نسيت مهمتها الأكثر أهمية في حماية القصور الملكية عندما هوجمت من جانب الشعب الثائر خلال الاحتجاجات على امتياز التنباك"([44]) عام 1819-1892.
وقد عدّ بعض المؤرخين، إنشاء هذه الفرقة من قبل الشاه، واحداً من الأخطاء التي ارتكبها بحق وطنه، ويصف إبراهيم تيموري هذه الفرقة بأنها:
"واحداً من البلايا والمصائب التي أورثت ثماراً مُرة من شجرة خبيثة زرعها ناصر الدين شاه في إيران"([45]).
واستخدمت لصالح الروس في تأييد امتيازاتهم وتأكيد سيطرتهم على إيران، وقوة تنفيذية للمفوضية الروسية وقناصلها([46]). فعندما حاولت بريطانيا عام 1887 الحصول على امتياز لمد سكة حديد من طهران الى الخليج العربي([47])، تمكنت روسيا من إبرام اتفاقية مع إيران، تعهدت الأخيرة بموجبها عدم منح أي امتياز لمد سكة حديد لأية دولة أجنبية، خلال عشر سنوات، إلا بعد استشارة روسيا([48]). وبذلت روسيا جهوداً حثيثة من أجل الحصول على ميناء في الخليج العربي، لجعله نهاية لسكة حديد كان من المؤمل أن تنشئها عبر الأراضي الإيرانية من الشمال مروراً بالمحمرة وبوشهر الى بندر عباس([49]). إلاّ أن صعوبة الإجراءات الأمنية للمشروع، وعدم وجود نقاط مساندة بحرية روسية في الخليج العربي، منعت الأخيرة من القيام بإنجاز هذا المشروع([50]).
استمرت بريطانيا في جهودها من اجل الحصول على امتيازات خاصة بها، فقد حصل "الاخوان لينج" على امتياز من ناصر الدين شاه، في الثلاثين من تشرين الأول 1888، بحق الملاحة للبواخر الإنكليزية في نهر كارون([51])، الذي كان يهدف الى سيطرة بريطانيا السياسية والاقتصادية على عربستان، ومن الناحية العسكرية أيضاً، يسهل عمليات إرسال قوات عسكرية الى المنطقة، إذا ما قامت حرب مع روسيا([52]). أما من الناحية التجارية، فهو يهدف الى تخفيف السيطرة الروسية على التجارة الإيرانية، وإفساج المجال أمام التجارة الإنكليزية للحصول على بعض الامتيازات الخاصة. ولكي يتجنب الشاه التعقيدات، أطلق على المشروع تسمية " اللوائح التنظيمية Regulations" بدلاً من كلمة "الامتياز- Concession"([53]).
إن هذا الامتياز لم يكن الأخير في حياة ناصر الدين شاه، فتعويضاً للمواطن البريطاني "جوليوس دي رويتر" عن إلغاء امتيازه مع الحكومة الإيرانية 1872، منح الشاه نجله "جورج دي رويتر" امتيازاً في الثلاثين من كانون الثاني 1889([54])، بإنشاء البنك الفارسي الشاهينشاهي "Imperial Bank of Persia"([55])، برأسمال بريطاني مقداره مليون جنيه لمدة ستين عاماً، مع الحق بإصدار العملة الورقية([56]). وقد أصدر البنك المذكور عملة نقدية تختلف عن مدينة إلى أخرى([57]). والأسوأ من كل ذلك، أن إيران منحت البنك، بموجب المادة الحادية عشرة من الاميتاز، حق استخراج الثروات الطبيعية في جميع أنحاء البلاد([58])، بما في ذلك النفط([59])، لقاء دفع 16% من نسبة الأرباح للحكومة الإيرانية([60]). وامتاز البنك الفارسي الشاهينشاهي([61])، بتفوقه على البنك الخصم الروسي، الذي تأسس عام 1890، والذي كان له أربعة عشر فرعاً في المدن الإيرانية الكبيرة([62]).
استمر الشاه في منح الامتيازات للشركات الأجنبية، ففي الثامن من آذار 1890، منح ناصر الدين شاه امتيازاً لشركة التبغ الامبراطورية([63]) "Imperial Tobacco Corporation" of Persia([64])، بعد محادثات سرية بينه وبين المدعو "جيرالد. ف. تالبوت-F. Gerald Talbot"، وبمساعي الوزير المفوض البريطاني في طهران، خوّل الشاه الشركة حق احتكار وإنتاج التبغ وبيعه وتصديره لمدة خمسين عاماً، مقابل مبلغ سنوي قدره 15 ألف جنيه تدفع للحكومة الإيرانية، بالإضافة الى أكثر من ربع الأرباح السنوية بعد دفع النفقات، و 5% حصة من رأس مال الشركة([65]) الذي بلغ عند تأسيسه 650 ألف جنيه([66]). وهو ما دعي فيما بعد بـ "التغلغل السلمي" في إيران([67]).

الصفحات