أنت هنا

قراءة كتاب التاريخ السياسي لامتيازات النفط في إيران 1901-1951

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التاريخ السياسي لامتيازات النفط في إيران 1901-1951

التاريخ السياسي لامتيازات النفط في إيران 1901-1951

يُشكل هذا البحث محاولة شاملة أولى لكتابة تاريخ الامتيازات النفطية في إيران، في حقبة زاخرة بالأحداث ابتدأ من العام 1901 وانتهت في العام 1951.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

خلقت مسألة منح وبيع الامتيازات للأجانب، تحت ذريعة التطور، نزاعاً قوياً من الشاه الذي يعوزه المال لسفراته خارج إيران والشعب الذي يعاني من البطالة([68])، مما أدى الى استياء عام بقيام معارضة منظمة وفعّالة عام 1891-1892([69])، فاضطر الشاه، نتيجة لهذه المقاومة المنظمة التي تُسمى بـ "به ست"([70])، على الرضوخ بالغاء الامتياز في السادس والعشرين من كانون الثاني 1892، ودفع تعويض للشركة البريطانية صاحبة الامتياز الملغي تعويضاً مقداره نصف مليون جنيه([71])، اقترضته من البنك الفارسي الشاهينشاهي في طهران، وكان ذلك بداية الديون الأجنبية على الحكومة الإيرانية([72]).
وارضاء لروسيا التي عارضت امتياز ريجي([73])، منحها الشاه امتيازاً في الثالث من آيار 1890 لتأسيس بنك في طهران ولمدة 75 عاماً، وذلك في إطار مناورة سياسية استهدف منها الشاه، التخفيف من آثار استياء الروس بسبب منحه الإنكليز امتيازات كثيرة دونهم. وقد تحاشت الحكومة الإيرانية أن تُسميّه بنكاً، فأطلقت عليه اسم الجمعية([74])، ثم تغيّر الاسم الى بنك الرهون والسلف([75]).
من أهم النتائج التي تلت الاستياء الشعبي لامتياز التبغ- ريجي"، هو التغيير النسبي في مواقع كل من بريطانيا وروسيا في إيران، وذلك بزيادة واضحة في مكانة الأخيرة، وتراجع لمكانة الأولى([76]). حيث حصلت روسيا عام 1893، وضمن اهتمامها بموضوع النفط الإيراني، على امتياز لكشف المعادن والنفط في المقاطعات الشمالية منها([77]).
بعد تزايد النفوذ الروسي داخل البلاط الإيراني([78])، بدأت الحكومة البريطانية تخطط لوضع حد لهذا النفوذ، وحصل ما أرادت عندما اُغتيل الشاه رمياً بالرصاص في الأول من أيار 1896، من قبل المدعو "ميرزا محمد رضا الكرماني"([79]).
وحينما جاء أبنه مظفر الدين شاه (1896-1907) الى الحكم، ترك أمور الدولة لغيره وتفرغ لسفراته الى الخارج، ولأجل أن يصرف على رحلاته الى أوروبا للعلاج ومواجهة نفقات الحكومة استدان الشاه من البنوك الأوروبية، أغلبها روسية، فدفع بلاده أكثر فأكثر للارتماء في أحضان روسيا والدول الأجنبية الأخرى([80]). فقد جعا مظفر الدين شاه خبراء من بلجيكا عام 1898([81]) لإصلاح الكمارك الإيرانية والعمل على زيادة إيراداتها، ولإقناع الروس بمنحه القروض تكون ضمانة ردها إيرادات الكمارك التي أشرف عليها خبراء البلجيك، وكان الدافع لهذا الإجراء هو حاجة الشاه للقروض الروسية، وهذا ما حصل فعلاً([82]) بعد أن امتنعت بريطانيا تقديم أي قرض له([83]).
أراد مظفر الدين شاه، جعل الكمارك الإيرانية تحت الإدارة البلجيكية، لتحقيق عدة أهداف، منها تهديد الأفضلية البريطانية في المنطقة، وتصديع مركز الشيخ خزعل في عربستان([84]). ولم يكن الحصول على القروض الأوربية ممكناً بدون ضمانات محسوسة، والضمان الوحيد الذي كان في وسع إيران أن توجده هو الكمارك ولكن بإدارة كفوءة([85]).
بدأ الروس، في مطلع عام 1900، العمل في معاينة تنفيذ مشروع خط حديدي يمتد جنون إيران الى عدة مواقع على ساحل الخليج العربي، وقد أرسل الروس فريق عمل برئاسة "ساخانسكي"([86]) لدراسة هذا الموضوع.
نظرت بريطانيا باهتمام بالغ الى ازدياد النفوذ الروسي في جنوب إيران، واحتمال اكتساب الأخيرة ميناءاً بحرياً على سواحل الخليج العربي([87]). ولكن في مذكرة الى القيصر الروسي في كانون الثاني 1900 ذكر وزير الخارجية الروسية م.ن. مورافيوف.M.N. Muravieff، بأن حكومته قررت نسيان الخطط حول حصولها على ميناء الخليج العربي لأسباب سياسية واقتصادية، لأن هذه الخطط ستفتح شمال إيران أمام التجارة البريطانية، وأن ذلك سيدفع الإنكليز الى بناء خط سكة حديد من جنوب إيران الى شمالها([88]). أما حول مسألة الحيازة على ميناء في الخليج العربي، فقد ذكر مورافيوف بأنه لا يوجد سبب لاحتلال الموانىء التي لا يمكن حمايتها بشكل كامل وهي مكلفة ومثقلة بالتضحيات المادية([89]). وبالمقابل ذكر اللورد لاندسداون وزير الخارجية البريطانية في الخامس من آذار 1900 قائلاً:
"سوف أُعارض أية حيلة يتبعها الشاه في المحمرة لأجل السيطرة عليها أو السماح للروس بذلك"([90]).
هكذا فأن اتساع مساحة حجم الامتيازات الأجنبية، وخاصة الامتيازات البريطانية، وتمتع التجار البريطانيون بالأعفاء الضريبي، قد دفعت بأعداد كبيرة من التجار الإيرانيين للتجنس بجنسيات أجنبية([91])، بل وجعلت من إيران محوراً للصراع والتنافس الدولي، وحلقة مهمة من الحلقات التي حاول كل الأطراف، خاصة بريطاناي وروسيا، مما دفع البعض الباحثين الى القول بأن: "المنافسة المريرة بين بريطانيا وروسيا هي وحدها التي أنقذت البلاد من أن تبتلع من أحداهما"([92]).
لم يقتصر الطموح الاقتصادي البريطاني على نمو تجارتها عبر الامتيازات التي منحها ملوك القاجار لمواطنيها، بل أولى البريطانيون النفط الإيراني جانباً كبيراً من اهتمامهم ونشاطهم، منذ أواخر القرن التاسع عشر،وخاصة بعد أن لفت انتباه المراقبين الغربيين وجود كميات كبيرة من النفط في المنطقة الجنوبية والغربية من إيران([93]).
ومما سبق يبدو واضحاً، ان امتياز رويتر لعام 1872 الذي احتوى أحد بنوده استغلال الثروات الطبيعية، بضمنها النفط، وكذلك امتياز رويتر الثاني لعام 1889 لإنشاء البنك الفارسي الشاهينشاهي، الذي منحه حق استخراج الثروات الطبيعية وتم بموجبه تأسيس شركة للتنقيب عن النفط، خير دليل على هذا الطموح البريطاني في مجال النفط، بل شكّل استمرارية في مساعيها نحو حصول امتياز خاص في هذا المجال. وعندما فشل البنك الفارسي- البريطاني، من خلال الشركة المخصصة لذلك، في اكتشاف النفط عبر التنقيبات التي استمرت حتى عام 1893، تنازل صاحب الامتياز عن البند الحادي عشر من الامتياز، والخاص بالتنقيب عن النفط، الى مواطن بريطاني آخر يدعى " وليم نوكس دارسي- W.N.Darcy" بموجب امتياز خاص منحته الحكومة الإيرانية عام 1901.

الصفحات