أنت هنا

قراءة كتاب التاريخ السياسي لامتيازات النفط في إيران 1901-1951

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التاريخ السياسي لامتيازات النفط في إيران 1901-1951

التاريخ السياسي لامتيازات النفط في إيران 1901-1951

يُشكل هذا البحث محاولة شاملة أولى لكتابة تاريخ الامتيازات النفطية في إيران، في حقبة زاخرة بالأحداث ابتدأ من العام 1901 وانتهت في العام 1951.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

وهناك من وصفه بأنه أشبه ما يكون بتنازل مظفر الدين شاه عن عرشه لدراسي([120]). فقد أقدم الشاه على أن يمنح احتكاراً كاملاً وشاملاً لشركة أجنبية لعهد طويل، لقاء مبلغ تافه لا يستيطع أن يعالج به الأزمة المالية لبلده التي تفاقمت آنذاك، لدرجة أن خزينة الدولة عجزت عن دفع رواتب الموظفين([121]). وتوقع الشاه بأنه أتم أحسن صفقة رابحة في حياته نظير توقيع هذا الامتياز، وتناسى أنه شل يد الدولة عن استغلال هذا المورد الخطير مستقبلاً، وحال دون الاستفادة من عامل المنافسة بين الشركات الدولةي المتخصصة باستخراج النفط([122]). فضلاً عن أن الامتياز لم ينص على رفع نسبة حصة الحكومة من الأرباح طيلة مدة العقد، وهي مدة طويلة([123]). كما أهمل الامتياز العنصر الإيراني في إدارة الشركة ونشاطاتها أو الرقابة على أعمالها([124])، وقد أكد الشاه محمد رضا بهلوي في مذكراته، قائلاً:
" أن الإيرانيين الذين يعملون في الشركة لم يكونوا أكثر من عمال عاديين"([125]).
بينما هناك من يرى بأن الامتياز لم يكن غريباً، ولم يكن تنازلاً عن العرش لصاحب الامتياز، بل يبرر كل ذلك بأن النظام القانوني للبلد كان، على وجه العموم، ناقص التكوين. ولم يكن هذا بسبب ضعف عام في الشريعة الإسلامية، بل كانت نتيجة كون هذه الصناعة جديدة برمتها سواء احتياجاتها أو بأساليبها الخاصة بالمنطقة، ودون الاستناد الى أي مصدر قانوني أو شرعي، بل من خلال وضع افتراض عام، بأن ما تحمله الأرض في بطنها من نفط يعود للدولة وليس لمالك السطح. ولم يكن هناك أية أحكام أو سوابق في الفقه الإسلامي تنطبق بصورة خاصة على الامتياز الجديد الذي منح لدارسي([126]).
ليس من شك، أن ذلك الاحتكار الضخم، من خلال هذا ا لامتياز، جعل للامبراطورية البريطانية مصلحة اقتصادية وعسكرية كبيرة في إيران. أما من الناحية العملية، فأصبحت الأخيرة عملياً تحت الوصاية البريطانية، الأمر الذي ترك آثارً عميقة جداً على تاريخ إيران الاقتصادي والسياسي، ومهد الطريق لعقد اتفاقية آب عام 1907([127]) بين روسيا وبريطانية لمعالجة الخلافات الإقليمية بينها([128])، والتي كان من نتائجه، أن أقرت روسيا امتياز دارسي، وكفت عن تطلعاتها المستمرة لإنشاء مناطق نفوذ في حوض نهر الكارون([129]).
مهما يكن من أمر الامتياز بكونه صفقة خاسرة لإيران، فان دارسي قام بتأسيس شركته المعروفة "First Exploration Co."، في الحادي والعشرين من أيار 1903([130])، لتمويل امتيازه برأسمال قدره 600 ألف جنيه، موزعة على 600 ألف سهم، اكتتبها دارسي باسمه([131]). وكان عليه أن يدفع نقداً الى الحكومة الإيرانية مبلغ 20 ألف جنيه، والتخلي عن أسهم بمبلغ مماثل لها، في الشهر الذي يلي إنشاء الشركة التي يناط بها استغلال الامتياز([132])، وهذا ما نصت عليه المادة العاشرة.
باشرت الشركة عملها، تحت اشراف المهندس "G.B.Reynolds" بالبحث والتنقيب عن النفط في المنطقة الجبلية في غرب وجنوب إيران، غير أنها ركزت على المناطق الغربية منها، وخاصة في منطقتي قصر شيرين وشياه سورخ أو نفط شاه([133]) القريبة من الأراضي العراقية([134])، لأن زيت النفط كان معروفاً من قبل في هذه المنطقة، ويستعمله بعض الأهالي بوسائل بسيطة([135]).
لم تأت البحوث والتنقيبات الأولية خلال السنوات الثلاث الأولى من بدء الامتياز بأي ثمار([136]). وبعد جهد كبير تيسر الوصول الى اكتشاف حقول نفطية في تشرين الثاني 1904، بيد أن كمياته لم تكن كافية لتغيطة النفقات([137])، التي بلغت 300 ألف جنيه([138]) وهو مبلغ كبير بالنسبة الى شركة بدأت برأسمال قدره 600 ألف جنيه. وبدا كأن مواصلة العمل في غير مستطاع الشركة، بسبب الصعوبات المالية والطبيعية الكثيرة([139]). فضلاً عن الصعوبات التي تقوم في وجه عمليات النقل من هذه المنطقة الجبلية الى الأسواق الخارجية([140]).
أمام هذه الصعوبات، ما كانت بريطانيا ولا البحرية البريطانية بصورة خاصة، لتستصغر أو تهمل مثل هذا الموضوع. فقد أدركت البرحية البريطانية وعلى رأسها الأميوال فيشر Fisher، أمير البحر الأول The First Sea Lord (1904-1911)، أهمية الثورة التي يمثلها وقود النفط وأثره البالغ على مستقبلها، وراح يوّجه اهتمام حكومته الى ضرورة استخدام النفط في تسيير الأسطول([141])، وشكّل لجنة للبحث عن مورد مضمون لتزويد الأسطول بحاجته من النفط، فأوصت اللجنة بضرورة تدخل وزارة البحرية البريطانية لدعم دارسي، الذي أوشك على الإفلاس بسبب التحريات الواسعة التي أجراها([142]). وكان دارسي قد اضطر الى مفاوضة شركة ستاندرد أويل الأمريكية، إلاّ أنه قبل أن تصل هذه المفاوضات الى صيغة تفاق تدخلت الحكومة البريطانية معترضة على إدخال شركة أمريكية في منطقة نفوذها([143])، فأوصت الوزارة شركة نفط بورما([144]) البريطانية بالاتفاق مع دارسي للحيلولة دون وقوع الامتياز بأيدي أجنبية([145]). وكان هذا أول تدخل بريطاني رسمي في شؤون النفط ايراني لكنه لم يكن الأخير([146]).
تدخلت شركة بورما للنفط، برئاسة اللورد ستراثكونا Lord Strathcona والسر جون. ت. كارجيل Sir Jhon T.Cargiel لانقاذ صاحب الامتياز([147]). ففي الخامس من أيار 1905، قامت الشركة المذكورة بتأسيس " شركة الامتيازات المحدودة Concessions Sandicate Ltd.Co. The"، التي أصبح دارسي مديراً فيها، لأجل تقديم المال المطلوب والخبرة اللازمة لمواصلة العمل، لأنه كان من الواجب عليه أن يجد بصورة مستعجلة مصدراً لتمويل الأعمال التي بدأها([148]).
أزاح الاتفاق مع شركة نفط بورما عقبة الأموال اللازمة، إلاّ أن ذلك لم ينهِ العقبات الأخرى، منها تزايد عداء القبائل الإيرانية التي أخذت تخرب المعدات وتسرق المؤن. ثم أن شاه إيران اعترض على أي تغيير في شروط الامتياز، وعلى تكوين شركة جديدة. واتصلت الشركة الجديدة بالحكومة البريطانية طالبة تأييدها في حالة إلغاء الامتياز، فكان جواب الحكومة انها مستعدة دائماً لحماية رعاياها. وأرسلت كتيبة من الجيش الهندي بقيادة ارنولد ولسن لحماية الشركة وعملياتها ولم تخبر الحكومة البريطانية الشاه بذلك إلاّ بعد وصول الكتيبة الى إيران، وقالت له أن الاعتراض على وجودها على أرضه سيكون حماقة([149]).

الصفحات